للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (غَيْرَ (١) مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) قال بعضهم: هذا منصوب على الحال. والمراد من الأنعام: ما يعم الإنسي من الإبل والبقر والغنم، وما يعم الوحشي كالظباء والبقر والحمر، فاستثنى من الإنسي ما تقدم، واستثنى من الوحشي الصيد في حال الإحرام.

وقيل: المراد [أحللنا لكم الأنعام إلا ما استثني لمن التزم تحريم الصيد وهو حرام، كقوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ﴾ أي: أبحنا تناول الميتة للمضطر بشرط أن يكون غير باغ ولا عاد، أي: كما] (٢) أحللنا (٣) الأنعام لكم في جميع الأحوال، فحرموا الصيد في حال الإحرام، فإن الله قد حكم بهذا وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه؛ ولهذا قال: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)

ثم قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) قال ابن عباس: يعني بذلك مناسك الحج.

وقال مجاهد: الصفا والمروة والهدي والبُدن من شعائر الله.

وقيل: شعائر الله محارمه [التي حرمها] (٤) أي: لا تحلوا محارم الله التي حرمها تعالى؛ ولهذا قال [تعالى] (٥) (وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) يعني بذلك تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه (٦) من الابتداء بالقتال وتأكيد اجتناب المحارم، كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ (٧) الآية. [التوبة: ٣٦].

وفي صحيح البخاري: عن أبي بكرة أن رسول الله قال في حجة الوداع: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاث متواليات: ذو القَعْدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جُمادى وشعبان".

وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت، كما هو مذهب طائفة من السلف.

وقال علي بن أبي طلحة (٨) عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) يعني: (٩) لا تستحلوا قتالا فيه. وكذا قال مُقَاتل بن حَيَّان، وعبد الكريم بن مالك الجزَريُّ، واختاره ابن جرير أيضًا، وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ، وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم، (١٠) واحتجوا بقوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] قالوا: والمراد أشهر التسيير الأربعة، ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (١١) قالوا: فلم يستثن شهرا حراما من غيره.

وقد حكى الإمام أبو جعفر (١٢) [] (١٣) الإجماع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم، وغيرها من شهور السنة، قال: وكذلك (١٤) أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو


(١) في د، ر، أ: "بالأنعام".
(٢) زيادة من د.
(٣) في د: "حللنا".
(٤) زيادة من د.
(٥) زيادة من د.
(٦) في د: "ما نهى الله عنه فيه".
(٧) زيادة من د، أ.
(٨) في د: " وقال ابن أبي طلحة".
(٩) في د:: أي".
(١٠) في د: "الشهر الحرام".
(١١) زيادة من ر.
(١٢) في د: "وحكى ابن جرير".
(١٣) زيادة من أ.
(١٤) في أ: "ولذلك".