للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورواه الحاكم في مستدركه، عن علي بن حُمْشاذ (١) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري، حدثنا صدقة بن هرمز، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قد ذكر نحوه (٢) وزاد بعد قوله: "بعد تيك الشربة": فسمعتهم يقولون: أتاكم رجل من سراة قومكم، فلم تَمْجعَوه بمذقة، فأتوني بمذقة فقلت: لا حاجة لي فيها، إن الله (٣) أطعمني وسقاني، وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم.

وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابن إسحاق: (٤)

وإياكَ والميتات لا تقربنَّها … ولا تأخذن عظمًا حديدًا فتفصدا

أي: لا تفعل كما يفعل (٥) الجاهلية، وذلك أن أحدهم كان إذا جاع أخذ شيئًا محددًا من عظم ونحوه، فَيفْصِد به بعيره أو حيوانا من أي صنف كان، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه؛ ولهذا حرَّم الله الدم على هذه الأمة، ثم قال الأعشى:

وذا النّصُب المنصوبَ لا تَأتينّه … ولا تعبد الأصنام والله فاعبدا

وقوله: (وَلَحْمُ الْخِنزيرِ) يعني: إنسيه ووحشيه، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم، ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم هاهنا وتعسفهم في الاحتجاج بقوله: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا﴾ يعنون قوله تعالى: ﴿إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥] أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير، حتى يعم جميع أجزائه، وهذا بعيد من حيث اللغة، فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب، ومن العرف المطرد، وفي صحيح مسلم، عن بُرَيدة بن الخصيب الأسلمي، ، قال: قال رسول الله : "من لعب بالنردَشير فكأنما صَبَغَ يده في لحم الخنزير ودمه" (٦) فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس (٧) فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به، وفيه دلالة على شُمُول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره.

وفي الصحيحين: أن رسول الله قال: "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويَسْتَصبِحُ بها الناس؟ فقال: "لا هو حرام". (٨)

وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان: أنه قال لهرقل ملك الروم: "نهانا عن الميتة والدم". (٩)


(١) في ر، أ: "علي بن حماد".
(٢) في ر: "فذكر نحوه"، وهو في المستدرك (٣/ ٦٤٢) وفيه صدقة بن هرمز ضعفه ابن معين وغيره.
(٣) في ر: "إن ربي".
(٤) أنظر القصيدة في: السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٣٨٦).
(٥) في د: "كما فعل".
(٦) صحيح مسلم برقم (٢٢٦٠).
(٧) في ر: "تنفيرا بمجرد ملابسته باللمس".
(٨) صحيح البخاري برقم (٢٢٣٦) وصحيح مسلم برقم (١٥٨١) من حديث جابر، .
(٩) لم أجد هذا اللفظ في صحيح البخاري في مواضع روايته لحديث هرقل.