للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يصح هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية: أنها أنزلت يوم عرفة، وكان يوم جمعة، كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وسَمُرَة بن جندب، ، وأرسله [عامر] (١) الشعبي، وقتادة بن دعامة، وشَهْر بن حَوْشَب، وغير واحد من الأئمة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري، رحمه (٢) الله.

وقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي: فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها تعالى (٣) لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناول ذلك، والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له. وفي المسند وصحيح ابن حبَّان، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "إن الله يحب أن تؤتى رُخْصته (٤) كما يكره أن تؤتى مَعْصِيته" (٥) لفظ ابن حبان. وفي لفظ لأحمد (٦) من لم يقبل رُخْصَة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة". (٧)

ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبًا في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على مهجته (٨) التلف ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوبا، و [قد] (٩) يكون مباحا بحسب الأحوال. واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسد به الرَّمَق، أو له أن يشبع، أو يشبع ويتزود؟ على أقوال، كما هو مقرر في كتاب الأحكام. وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير، أو صيدًا (١٠) وهو محرم: هل يتناول الميتة، أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء، أو ذلك الطعام ويضمن بدله؟ على قولين، هما قولان للشافعي، . وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما، كما قد يتوهمه كثير من العوام (١١) وغيرهم، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا: يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا (١٢) بها المخمصة، فمتى تحل (١٣) لنا بها الميتة؟ فقال: "إذا لم تَصْطَبِحوا، ولم تَغْتَبِقُوا، ولم تَجتفئوا (١٤) بقْلا فشأنكم بها ".

تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين. وكذا رواه ابن جرير، عن عبد الأعلى بن واصل، عن محمد بن القاسم الأسدي، عن الأوزاعي به (١٥) لكن رواه بعضهم


(١) زيادة من أ.
(٢) في أ: "رحمهم".
(٣) في أ: "الله".
(٤) في د: "رخصه".
(٥) المسند (٢/ ١٠٨) وصحيح ابن حبان برقم (٥٤٥) "موارد" وقال الهيثمي في المجمع (٣/ ١٦٢): "رجاله رجال الصحيح".
(٦) في د: "لفظ أحمد".
(٧) المسند (٢/ ٧١).
(٨) في د: "نفسه"، وفي أ: "مهجة"
(٩) زيادة من ر.
(١٠) في ر: "وصيدًا".
(١١) في ر: "الأعوام".
(١٢) في أ: "يصيبنا".
(١٣) في د: "فما يحل"، وفي أ: "فمتى يحل".
(١٤) في أ: "تحتفنوا".
(١٥) المسند (٥/ ٢١٨) وتفسير الطبري (٩/ ٥٣٨) ورواه الحاكم في المستدرك (٤/ ١٢٥) من طريق الأوزاعي به وقال: "على شرطهما ولم يخرجاه". وتعقبه الذهبي فقال: "فيه انقطاع".