للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجعل (١) الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم، فجمع لفظ "الظلمات" ووحَّد لفظ (٢) "النور"؛ لكونه أشرف، كما قال ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨]، وكما قال (٣) في آخر هذه السورة ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣].

وقوله: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي: ومع هذا كله كفر به بعض عباده، وجعلوا معه شريكًا وعدلا واتخذوا له صاحبةً وولدًا، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.

وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) يعني: أباهم آدم الذي هو أصلهم ومنه خرجوا، فانتشروا في المشارق والمغارب.

وقوله: (ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) قال سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: (ثُمَّ قَضَى أَجَلا) يعني: الموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني: الآخرة.

وهكذا رُوي عن مجاهد، وعِكْرِمة، وسعيد بن جُبَيْر، والحسن، وقتادة، والضحاك، وزيد بن أسلم، وعطية، والسُّدِّي، ومُقاتِل بن حَيَّان، وغيرهم.

وقول (٤) الحسن -في رواية عنه: (ثُمَّ قَضَى أَجَلا) قال: ما بين أن يخلق إلى أن يموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ما بين أن يموت إلى أن يبعث-هو يرجع إلى ما تقدم، وهو تقدير الأجل الخاص، وهو عمر كل إنسان، وتقدير الأجل العام، وهو عمر الدنيا بكمالها ثم انتهائها وانقضائها وزوالها، [وانتقالها] (٥) والمصير إلى الدار الآخرة.

وعن ابن عباس ومجاهد: (ثُمَّ قَضَى أَجَلا) يعني: مدة الدنيا (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني: عمر الإنسان إلى حين موته، وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ [يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ] (٦)﴾ الآية [الأنعام: ٦٠].

وقال عطية، عن ابن عباس (ثُمَّ قَضَى أَجَلا) يعني: النوم، يقبض فيه الروح، ثم يرجع (٧) إلى صاحبه عند اليقظة (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني: أجل موت الإنسان، وهذا قول غريب.

ومعنى قوله: (عِنْدَهُ) أي: لا يعلمه إلا هو، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧]، وكقوله ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ [النازعات: ٤٢ - ٤٤].

وقوله: (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) قال السُّدِّي وغيره: يعني تشكون في أمر الساعة.

وقوله: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) اختلف


(١) في د: "وفي جعله"
(٢) في م: "له".
(٣) في د: "ثم قال".
(٤) في أ: "وقال".
(٥) زيادة من م، أ.
(٦) زيادة من أ.
(٧) في د: "ترجع".