للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: شيئًا بعد شيء، (وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) أي: أكثرنا (١) عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض، أي: استدراجًا وإملاء لهم (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي: بخطاياهم وسيئاتهم التي اجترموها، (وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) أي: فذهب الأولون كأمس الذاهب وجعلناهم أحاديث، (وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) أي: جيلا آخر لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم (٢) فهلكوا كهلاكهم. فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم [مثل] (٣) ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم، لولا لطفه وإحسانه.

﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨)

يقول تعالى مخبرًاً عن كفر المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق ومباهتتهم ومنازعتهم فيه: (وَلَوْ نزلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) أي: عاينوه، ورأوا نزوله، وباشروا ذلك (لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن مكابرتهم للمحسوسات: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٤، ١٥] وقال تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور: ٤٤].

(وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [أي: فيكون معه نذيرا] (٤) قال الله: (وَلَوْ أَنزلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي: لو نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من الله العذاب، كما قال تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: ٨]، [و] (٥) قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا] (٦)[الفرقان: ٢٢].

﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)

وقوله: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) أي: ولو أنزلنا مع الرسول البَشَرِيّ ملكًا، أي: لو بعثنا إلى البشر رسولا ملكيًا (٧) لكان على هيئة رجل لتُفْهَم (٨) مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما يلبسون (٩) على أنفسهم في قبول رسالة البشري، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا﴾ [الإسراء: ٩٥]، فمن رحمة الله (١٠) تعالى بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق


(١) في د، م، أ: "كثرنا".
(٢) في د، م: "عملهم".
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) زيادة من أ.
(٦) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(٧) في م: "ملكا"
(٨) في د، م: "ليمكنهم".
(٩) في د، م: "كما هم يلبسون".
(١٠) في أ، م: "فمن رحمته".