للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: وليستبين يا محمد -أو يا مخاطب -سبيل المجرمين.

وقوله: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي: على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها إلي (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي: بالحق الذي جاءني من [عند] (١) الله (مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي: من العذاب، (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) أي: إنما يرجع أمر ذلك إلى الله إن شاء عَجَّل لكم ما سألتموه من ذلك، وإن شاء أنظركم وأجلكم؛ لما له في ذلك من الحكمة العظيمة. ولهذا قال (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) أي: وهو خير من فصل القضايا، وخير الفاتحين الحاكمين بين عباده.

وقوله: (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي: لو كان مرجع ما تستعجلون به إلي، لأوقعت بكم ما تستحقونه من ذلك (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)

فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية، وبين ما ثبت في الصحيحين من طريق ابن وَهْب، عن يونس، عن الزهري، عن عُرْوَة، عن عائشة؛ أنها قالت لرسول الله : يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: "لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردتُ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظَلَّتْني، فنظرت فإذا فيها جبريل، ، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم". قال: "فناداني مَلَك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك (٢) إليك، لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين"، فقال رسول الله : "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، لا (٣) يشرك به شيئا"، وهذا لفظ مسلم (٤)

فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم، فاستأنى بهم، وسأل لهم التأخير، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئا. فما الجمع بين هذا، وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)؟

فالجواب -والله أعلم -: أن هذه الآية دَلَّت على أنه لو كان إليه وقوعُ العذاب الذي يطلبونه حالَ طَلبهم له، لأوقعه بهم. وأما الحديث، فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه مَلَك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين -وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبا (٥) وشمالا -فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم (٦)

وقوله: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه؛ أن رسول الله قال: "مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤] " (٧).


(١) زيادة من أ.
(٢) في أ: "ربي".
(٣) في أ: "ولا".
(٤) صحيح البخاري برقم (٣٢٣١) وصحيح مسلم برقم (١٧٩٥).
(٥) في د: "يمينا".
(٦) في أ: "الرفق بهم".
(٧) صحيح البخاري برقم (٤٦٢٧).