للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: خلق الله النون -وهي الدواة -وخلق الألواح، فكتب فيها أمر الدنيا حتى ينقضي ما كان من خلق مخلوق، أو رزق حلال أو حرام، أو عمل بر أو فجور (١) وقرأ هذه الآية: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا) إلى آخر الآية.

﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢)

يخبر تعالى إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر (٢) كما قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا] (٣)[آل عمران: ٥٥]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر: ٤٢]، فذكر في هذه الآية الوفاتين: الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) أي: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار. وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وفي حال حركتهم، كما قال: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠]، وكما قال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ أي: في الليل ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣] أي: في النهار، كما قال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: ١٠، ١١]؛؛ ولهذا قال هاهنا: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) أي: ما كسبتم بالنهار (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أي: في النهار. قاله مجاهد، وقتادة، والسُّدِّي.

وقال ابن جريج (٤) عن عبد الله بن كثير: أي في المنام.

والأول أظهر. وقد روى ابن مَرْدُوَيه بسنده (٥) عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي قال: "مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه، ويُرَد إليه. فإن أذن الله في قبض روحه قبضه، وإلا رد إليه"، فذلك قوله: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ)

وقوله (لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى) يعني به: أجل كل واحد من الناس، (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) أي: يوم القيامة، (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ) (٦) أي: فيخبركم (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: ويجزيكم على ذلك إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.


(١) في م: "بحر".
(٢) في أ: "الصغير".
(٣) زيادة من أ.
(٤) في أ: "جرير".
(٥) ورواه أبو الشيخ كما في الدر المنثور (٣/ ٢٨٠) وفي إسناده انقطاع بين الضحاك وابن عباس.
(٦) في أ: "فينبئكم" وهو خطأ.