للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ كُتُبَهُمْ نَاطِقَةٌ بِتَصْدِيقِهِ وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ حَتْمًا لَا مَحَالَةَ.

وَقَوْلُهُ: {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يَعْنِي بِذَلِكَ (١) كَثْرَةَ الرِّزْقِ النَّازِلِ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِتِ لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ} يَعْنِي: لَأَرْسَلَ [السَّمَاءَ] (٢) عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا، {وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يَعْنِي: يُخْرِجُ مِنَ الْأَرْضِ بَرَكَاتِهَا.

وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (٣) {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ [وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] } [الْأَعْرَافِ: ٩٦] ، (٤) وَقَالَ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] } [الرُّومِ:٤١] . (٥)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ كَد وَلَا تَعَبٍ وَلَا شَقَاءٍ وَلَا عَنَاءٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَكَانُوا فِي (٦) الْخَيْرِ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: "هُوَ فِي الْخَيْرِ مِنْ قرَنه (٧) إِلَى قَدَمِهِ". ثُمَّ رُدَّ هَذَا الْقَوْلُ لِمُخَالَفَةِ أَقْوَالِ السَّلَفِ (٨)

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} حَدِيثَ (٩) عَلْقَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُوشِكُ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ". فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ وَعَلَّمْنَاهُ أَبْنَاءَنَا؟! قَالَ (١٠) ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ لَبِيدٍ! إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ (١١) مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوَلَيِسَتِ (١٢) التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ حِينَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ" ثُمَّ قَرَأَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ}

هَكَذَا أَوْرَدَهُ (١٣) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدِيثًا (١٤) مُعَلَّقًا (١٥) مِنْ أَوَّلِ إِسْنَادِهِ، مُرْسَلًا فِي آخِرِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ متصلا موصولا فقال:


(١) في ر، أ: "يعني بذلك".
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من ر، أ.
(٤) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٥) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٦) في أ: "إلى".
(٧) في أ: "فوقه".
(٨) "قائل هذه المقالة الفراء في كتاب معاني القرآن (١/٣١٥) " أ. هـ مستفادًا من حاشية تفسير الطبري وقد ذكرها الطبري في تفسيره (١٠/٤٦٤) .
(٩) في ر، أ: "حدثنا".
(١٠) في أ: "فقال".
(١١) في أ: "لأري".
(١٢) في أ: "وليست".
(١٣) في ر: "رواه"، وفي أ: "أورد".
(١٤) في أ: "هذا الحديث".
(١٥) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٨/٤٣) والبزار في مسنده برقم (٢٣٢) "كشف الأستار" من وجه آخر: من طريق إبراهيم بن أبي عبلة، عن الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نفير، عن عوف بن مالك بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>