للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبه قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلأى لَا يَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاء اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِض مَا فِي يَمِينِهِ" قَالَ: "وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَفِي يَدِهِ الْأُخْرَى القبْض، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ": قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، الْبُخَارِيُّ في "التوحيد" عن علي بن الْمَدِينِيِّ، وَمُسْلِمٌ فِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَكِلَاهُمَا (١) عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ. (٢)

وَقَوْلُهُ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أَيْ: يَكُونُ مَا أَتَاكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ مِنَ النِّعْمَةِ نِقْمَةٌ فِي حَقِّ أَعْدَائِكَ مِنَ الْيَهُودِ وَأَشْبَاهِهِمْ، فَكَمَا يَزْدَادُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا صَالِحًا وَعِلْمًا نَافِعًا، يَزْدَادُ بِهِ الْكَفَرَةُ الْحَاسِدُونَ لَكَ وَلِأُمَّتِكَ {طُغْيَانًا} وَهُوَ: الْمُبَالَغَةُ وَالْمُجَاوَزَةُ لِلْحَدِّ فِي الْأَشْيَاءِ {وَكُفْرًا} أَيْ: تَكْذِيبًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فُصِّلَتْ:٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الْإِسْرَاءِ:٨٢] .

وَقَوْلُهُ: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} يَعْنِي: أَنَّهُ لَا تَجْتَمِعُ قُلُوبُهُمْ، بَلِ الْعَدَاوَةُ وَاقِعَةٌ بَيْنَ فِرقهم بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ دَائِمًا لِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى حَقٍّ، وَقَدْ خَالَفُوكَ وَكَذَّبُوكَ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعي: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} قَالَ: الْخُصُومَاتُ وَالْجِدَالُ فِي الدِّينِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَوْلُهُ: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} أَيْ: كُلَّمَا عَقَّدُوا أَسْبَابًا يَكِيدُونَكَ بِهَا، وَكُلَّمَا أَبْرَمُوا أُمُورًا يُحَارِبُونَكَ بِهَا يُبْطِلُهَا اللَّهُ وَيَرُدُّ كَيْدَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَحِيقُ مَكْرُهُمُ السَّيِّئُ بِهِمْ.

{وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} أَيْ: مِنْ سَجِيَّتِهِمْ أَنَّهُمْ دَائِمًا يسعوْن فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.

ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَلَا {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} أَيْ: لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاتَّقَوْا مَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} أَيْ: لَأَزَلْنَا عَنْهُمُ الْمَحْذُورَ ولحصّلْناهم (٣) الْمَقْصُودَ.

{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ. {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} أَيْ: لأنهم عَمِلُوا بِمَا فِي الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَغْيِيرٍ وَلَا تَبْدِيلٍ، لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى


(١) في ر، أ: "كلاهما".
(٢) المسند (٢/٣١٣) وصحيح البخاري برقم (٧٤١٩) وصحيح مسلم برقم (٩٩٣) .
(٣) في ر، أ: "ولحصلنا لهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>