للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يأتيهم. فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق، والطريق هو الإسلام. رواه ابن جرير.

وقال قتادة: (اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ) أضلته في الأرض، يعني: استهوته (١) مثل قوله: ﴿تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: ٣٧].

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا) الآية. هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها، والدعاة الذين يدعون إلى الله، ﷿، كمثل رجل ضل عن طريق تائها ضالا إذ ناداه مناد: "يا فلان بن فلان، هلم إلى الطريق"، وله أصحاب يدعونه: "يا فلان، هلم إلى الطريق"، فإن اتبع الداعي الأول، انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة (٢) وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى، اهتدى إلى الطريق. وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان، يقول: مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت، فيستقبل الهلكة والندامة. وقوله: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ) هم "الغيلان"، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء، فيصبح وقد ألقته في هلكة، وربما أكلته -أو تلقيه في مضلة من الأرض، يهلك فيها عطشا، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله، ﷿. رواه ابن جرير.

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ) قال: رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق، وذلك مثل من يضل بعد أن هدي.

وقال العَوْفي، عن ابن عباس، قوله: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ) هو الذي لا يستجيب لهدى الله، وهو رجل أطاع الشيطان، وعمل في الأرض بالمعصية، وجار (٣) عن الحق وضل عنه، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى، ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس، يقول [الله] (٤) (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) والضلال ما يدعو إليه الجن. رواه ابن جرير، ثم قال: وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال، ويزعمون أنه هدى. قلت: وهذا خلاف ظاهر الآية؛ فإن الله أخبر أن أصحابه يدعونه إلى الهدى، فغير جائز أن يكون ضلالا وقد أخبر الله أنه هدى.

وهو كما قال ابن جرير، وكان (٥) سياق الآية يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، وهو منصوب على الحال، أي: في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة، وله أصحاب على المحجة سائرون، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى. وتقدير الكلام: فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم، ولو شاء الله لهداه، ولرد به إلى الطريق؛ ولهذا قال: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)


(١) في م: "استهوته سيرته".
(٢) في م، أ: "في هلكه".
(٣) في أ: "وحاد".
(٤) زيادة من أ.
(٥) في م، أ: "فإن".