للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد جاء في الحديث -الذي رواه الترمذي وغيره -أن رسول الله تلا عليهم سورة الرحمن (١) وفيها قوله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الآيتان: ٣١، ٣٢].

وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا) أي: أقررنا أن الرسل قد بلغونا رسالاتك، وأنذرونا لقاءك، وأن هذا اليوم كائن لا محالة.

قال تعالى: (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) أي: وقد فرطوا في حياتهم الدنيا، وهلكوا بتكذيبهم الرسل، ومخالفتهم للمعجزات، لما اغتروا به من زخرف الحياة الدنيا وزينتها وشهواتها، (وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) أي: يوم القيامة (أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) أي: في الدنيا، بما جاءتهم به الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم [أجمعين] (٢).

﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (١٣١)

يقول تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) أي: إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب، لئلا يعاقب أحد بظلمه، وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم، وما عذبنا أحدًا إلا بعد إرسال الرسل إليهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا﴾ [الملك: ٨، ٩] والآيات في هذا كثيرة.

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: ويحتمل قوله تعالى: (بِظُلْمٍ) وجهين:

أحدهما: ذلك من أجل أن ربك مهلك القرى بظلم أهلها بالشرك ونحوه، وهم غافلون، يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم مَنْ (٣) ينبههم على حجج الله عليهم، وينذرهم عذاب الله يوم معادهم، ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفلة فيقولوا: ﴿مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ﴾ [المائدة: ١٩].

والوجه الثاني: أن (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ) يقول: لم يكن [ربك] (٤) ليهلكهم


(١) سنن الترمذي برقم (٣٢٩١).
(٢) زيادة من م.
(٣) في م، أ: "رسولا".
(٤) زيادة من أ.