للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، والله غير ظلام (١) لعبيده.

ثم شرع يرجح الوجه الأول، ولا شك أنه أقوى، والله أعلم (٢).

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)

وقال: وقوله: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أي: ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

قلت: ويحتمل أن يعود قوله: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [أي] (٣) من كافري الجن والإنس، أي: ولكل درجة في النار بحسبه، كقوله [تعالى] (٤) ﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ [وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ](٥) [الأعراف: ٣٨]، وقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل: ٨٨].

(وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) قال ابن جرير: أي وكل ذلك من عملهم، يا محمد، بعلم من ربك، يحصيها ويثبتها لهم عنده، ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه.

﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)

يقول [تعالى] (٦) (وَرَبُّكَ) يا محمد (الْغَنِيُّ) أي: عن جميع خلقه من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، (ذُو الرَّحْمَةِ) أي: وهو مع ذلك رحيم بهم رؤوف، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣].

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي: إذا خالفتم أمره (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ) أي: قوما آخرين، أي: يعملون بطاعته (٧)، (كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) أي: هو قادر على ذلك، سهل عليه، يسير لديه، كما أذهب القرون الأوَل وأتى بالذي بعدها (٨) كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٣٣]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر: ١٥ - ١٧]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨].

وقال محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة قال: سمعت أبان بن عثمان يقول في هذه الآية:


(١) في أ: "ظالم".
(٢) تفسير الطبري (١٢/ ١٢٤).
(٣) زيادة من، م، أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) زيادة من أ.
(٦) زيادة من م، أ.
(٧) في م: "بطاعة الله".
(٨) في أ: "بعده".