للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جنة ولا نار (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من أمر الدنيا فزيَّنها لهم ودعاهم إليها و (عَنْ أَيْمَانِهِم) من قبل حسناتهم بَطَّأهم (١) عنها (وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) زين لهم السيئات والمعاصي، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. آتاك يا ابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله.

وكذا رُوي عن إبراهيم النَّخَعي، والحكم بن عتيبة (٢) والسدي، وابن جرير (٣) إلا أنهم قالوا: (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الدنيا (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) الآخرة.

وقال مجاهد: "من بين أيديهم وعن أيمانهم": حيث يبصرون، "ومن خلفهم وعن شمائلهم": حيث لا يبصرون.

واختار ابن جرير أن المراد جميع طرق الخير والشر، فالخير يصدهم عنه، والشر يُحببه (٤) لهم.

وقال الحكم بن أبان، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قوله: (ثمَُ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وِعَنْ شَمَائِلِهِمْ) ولم يقل: من فوقهم؛ لأن الرحمة تنزل من فوقهم.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) قال: موحدين.

وقول إبليس هذا إنما هو ظن منه وتوهم، وقد وافق في هذا الواقع، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سبأ: ٢٠، ٢١].

ولهذا ورد في الحديث الاستعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان من جهاته كلها، كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده:

حدثنا نَصْر بن علي، حدثنا عمرو بن مُجَمِّع، عن يونس بن خَبَّاب، عن ابن جُبَيْر بن مُطْعِم -يعني نافع بن جبير -عن ابن عباس -وحدثنا عمر بن الخطاب -يعني السجستاني -حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنَيْسَةَ، عن يونس بن خباب -عن ابن جبير بن مطعم -عن ابن عباس قال: كان رسول الله يقول: "اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عَوْرَتي، وآمن رَوْعَتِي (٥) واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك (٦) اللهم أن أُغْتَال مِنْ تَحْتِي". تفرد به البزار (٧) وحسنه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري، حدثني جُبَير بن أبي سليمان


(١) في أ: "بطأهم".
(٢) في م، أ: "عيينة".
(٣) في د، ك، م: "جريج".
(٤) في د، ك، م، أ: "يحسنه".
(٥) في د، ك: "اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي".
(٦) في د: "بعظمتك".
(٧) مسند البزار برقم (٣١٩٦) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ١٧٥): "فيه يونس بن خباب وهو ضعيف"