للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا زيد بن الحُبَاب، حدثنا ابن لَهِيعَة، عن خالد بن يزيد (١) السَّكْسَكِيّ، عن سعيد بن أبي هلال، عن محمد بن أبي الجهم، عن الحارث بن مالك الأنصاري؛ أنه مر برسول الله فقال له: "كيف أصبحت يا حارث؟ " قال: أصبحت مؤمنا حقا. قال: "انظر ماذا (٢) تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ " فقال: عَزَفَت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلى، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يَتَضاغَوْن فيها، فقال: "يا حارث، عرفت فالزم" ثلاثا (٣)

وقال عمرو بن مُرَّة في قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) إنما أُنزلَ (٤) القرآن بلسان العرب، كقولك: فلان سيد حقا، وفي القوم سادة، وفلان تاجر حقا، وفي القوم تجار، وفلان شاعر حقا، وفي القوم شعراء.

وقوله: (لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي: منازل ومقامات ودرجات في الجنات، كما قال تعالى: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٣]

(ومغفرة) أي: يغفر لهم السيئات، ويشكر لهم الحسنات.

وقال الضحاك في قوله: (لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفلُ أنه فُضّل عليه أحد.

ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول الله قال: "إن أهل علِّيين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء"، قالوا (٥) يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا ينالها غيرهم؟ فقال: "بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" (٦)

وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد [و] (٧) أهل السنن من حديث عَطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنْعَمَا" (٨)


(١) في د، م: "زيد".
(٢) في م، أ: "ما".
(٣) المعجم الكبير (٣/ ٢٦٦) قال الهيثمي في المجمع (١/ ٥٧): "فيه ابن لهيعة وفيه من يحتاج إلى الكشف عنه".
(٤) في د، ك، م: "نزل".
(٥) في أ: "فقالوا".
(٦) صحيح البخاري برقم (٣٢٥٦) وصحيح مسلم برقم (٢٨٣١) من حديث أبي سعيد الخدري، .
(٧) زيادة من د، ك، م، أ.
(٨) المسند (٣/ ٦١) وسنن أبي داود برقم (٣٩٨٧) وسنن الترمذي برقم (٣٦٥٨) وسنن ابن ماجة برقم (٩٦).