للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبَّاد بْنُ العَوَّام، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ قِيلَ لَهُ: لِمَ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا. قَالَ: حَوَّاءُ. أَمَرَتْنِي. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَعْقَبْتُهَا أَنْ لَا تَحْمِلَ إِلَّا كَرْها، وَلَا تَضَعَ إِلَّا كَرْها. قَالَ: فرنَّت عِنْدَ ذَلِكَ حَوَّاءُ. فَقِيلَ لَهَا: الرَّنَّةُ عَلَيْكِ وَعَلَى وَلَدِكِ (١)

وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِم فِي قَوْلِهِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (٢)

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٢٤) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (٢٥) }

قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ فِي {اهْبِطُوا} آدَمُ، وَحَوَّاءُ، وَإِبْلِيسُ، وَالْحَيَّةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْحَيَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْعُمْدَةُ فِي الْعَدَاوَةِ آدَمُ وَإِبْلِيسُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ "طه" قَالَ: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [الْآيَةَ: ١٢٣] وَحَوَّاءُ تَبَعٌ لِآدَمَ. وَالْحَيَّةُ -إِنْ كَانَ ذِكْرُهَا صَحِيحًا -فَهِيَ تَبَعٌ لِإِبْلِيسَ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ الْأَمَاكِنَ الَّتِي هَبَطَ فِيهَا كُلٌّ مِنْهُمْ، وَيَرْجِعُ حَاصِلُ تِلْكَ الْأَخْبَارِ إِلَى الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا. وَلَوْ كَانَ فِي تَعْيِينِ تِلْكَ الْبِقَاعِ فَائِدَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ، أَوْ دُنْيَاهُمْ، لَذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَوْ رَسُولُهُ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} أَيْ: قَرَارٌ وَأَعْمَارٌ مَضْرُوبَةٌ إِلَى آجَالٍ مَعْلُومَةٍ، قَدْ جَرَى بِهَا الْقَلَمُ، وَأَحْصَاهَا الْقَدَرُ، وَسُطِّرَتْ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مُسْتَقَرٌّ} الْقُبُورُ. وَعَنْهُ: وَجْهُ الْأَرْضِ وَتَحْتَهَا. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَوْلُهُ: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجْعَلُ (٤) الْأَرْضَ دَارًا لِبَنِي آدَمَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فِيهَا مَحْيَاهُمْ وَفِيهَا مَمَاتُهُمْ وَقُبُورُهُمْ، وَمِنْهَا نُشُورُهُمْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (٥) الَّذِي يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ.

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) }

يَمْتَنُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ اللباس والريش فاللباس (٦) المذكور هاهنا لستر


(١) تفسير الطبري (١٢/٣٥٦) .
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ك: "ورسوله".
(٤) في ك، م: "جعل".
(٥) في ك، م، أ: "المعاد".
(٦) في ك: "واللباس".

<<  <  ج: ص:  >  >>