للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذلك يوم بدر، أمر الناس فعبئوا للقتال، وأمرهم بالشوكة، فكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل الله: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)

وقال مجاهد: يجادلونك في الحق: في القتال. وقال محمد بن إسحاق: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ [بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ]) (١) أي: كراهية للقاء المشركين، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم.

وقال السُّدِّي: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ) أي: بعد ما تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرك الله به.

قال ابن جرير: وقال آخرون: عنى بذلك المشركين.

حدثني يونس، أنبأنا ابن وَهْب قال: قال ابن زيد في قوله تعالى: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) قال: هؤلاء المشركون، جادلوه في الحق (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) حين يدعون إلى الإسلام (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) قال: وليس هذا من صفة الآخرين، هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر.

ثم قال ابن جرير: ولا معنى لما قاله؛ لأن الذي قبل قوله: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ) خبر عن أهل الإيمان، والذي يتلوه خبر عنهم، والصواب قول ابن عباس وابن إسحاق أنه خبر عن المؤمنين.

وهذا الذي نصره ابن جرير هو الحق، وهو الذي يدل عليه سياق الكلام، والله أعلم ..

وقال الإمام أحمد، : حدثنا يحيى بن أبي بكير وعبد الرزاق قالا حدثنا إسرائيل، عن سِمَال، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله حين فرغ من بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء فناداه العباس بن عبد المطلب -قال عبد الرزاق: وهو أسير في وثاقه -ثم اتفقا: إنه لا يصلح لك، قال: ولم؟ قال: لأن الله ﷿ إنما وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك (٢)

إسناد جيد، ولم يخرجه (٣)

ومعنى قوله تعالى (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) أي: يحبون أن الطائفة التي لا حَدَّ لها ولا منعة ولا قتال، تكون لهم وهي العير (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) أي: هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال، ليُظَفِّرَكم بهم ويظهركم عليهم، ويظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله غالبا على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الذي دبركم


(١) زيادة من أ.
(٢) المسند (١/ ٢٢٩) من رواية يحيى بن أبي بكير و (١/ ٣١٤) من رواية عبد الرزاق.
(٣) في ك، م، أ: "يخرجوه".