للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر، حدثنا يزيد بن ربيعة، حدثنا أبو الأشعث، عن ثوبان، عن النبي قال: "ثلاثة لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف". (١)

وهذا أيضا حديث غريب جدا.

وقال الطبراني أيضا: حدثنا العباس بن الفضل الأسْفَاطِيّ، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر الشَّنِّي، حدثني عمرو بن مرة قال: سمعت بلال بن يسار بن زيد -مولى رسول الله -قال: سمعت أبي حدث عن جدي قال: قال رسول الله: "من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف".

وهكذا رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، به. وأخرجه الترمذي، عن البخاري، عن موسى بن إسماعيل به. وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (٢)

قلت: ولا يعرف لزيد مولى النبي ، عنه سواه.

وقد ذهب ذاهبون إلى أن الفرار إنما كان حراما على الصحابة؛ لأنه -يعني الجهاد -كان فرض عين عليهم. وقيل: على الأنصار خاصة؛ لأنهم بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره. وقيل: [إنما] (٣) المراد بهذه الآية أهل بدر خاصة، يروى هذا عن عمر، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي نضرة، ونافع مولى ابن عمر، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وغيرهم.

وحجتهم في هذا: أنه لم تكن عصابة لها شوكة يفيئون إليها سوى عصابتهم تلك، كما قال النبي : "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"؛ ولهذا قال عبد الله بن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) قال: ذلك يوم بدر، فأما اليوم: فإن انحاز إلى فئة أو مصر -أحسبه قال: فلا بأس عليه.

وقال ابن المبارك أيضا، عن ابن لَهِيعَة: حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار، قال: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا] (٤) وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥]، ثم كان يوم حُنَيْن بعد ذلك بسبع سنين، قال: ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥] ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: ٢٧].


(١) المعجم الكبير (٢/ ٩٥) قال الهيثمي في المجمع (١/ ١٠٤): "فيه يزيد بن ربيعة ضعيف".
(٢) المعجم الكبير (٥/ ٨٩) وسنن أبي داود برقم (١٥١٧) وسنن الترمذي برقم (٣٥٧٧).
(٣) زيادة من ك، م، أ.
(٤) زيادة من ك، م، أ، وفي هـ "إلى قوله".