للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلِهِمْ: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هُودٍ: ٨٧] فَجَاءَتِ الصَّيْحَةُ فَأَسْكَتَتْهُمْ.

وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشُّعَرَاءِ:١٨٩] وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ (١) قَالُوا لَهُ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ [إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢) ] } [الشُّعَرَاءِ:١٨٧] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ (٣) أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كُلُّهُ: أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ،" وَهِيَ سَحَابَةٌ أَظَلَّتْهُمْ فِيهَا شَرَرٌ مِنْ نَارٍ ولَهَب (٤) ووهَج عَظِيمٍ، ثُمَّ جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ وَرَجْفَةٌ مِنَ الْأَرْضِ شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَزَهَقَتِ الْأَرْوَاحُ، وَفَاضَتِ النُّفُوسُ وَخَمَدَتِ الْأَجْسَادُ، {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أَيْ: كَأَنَّهُمْ لَمَّا أَصَابَتْهُمُ النِّقْمَةُ لَمْ يُقِيمُوا بِدِيَارِهِمُ الَّتِي أَرَادُوا إِجْلَاءَ الرَّسُولِ وَصَحْبِهِ مِنْهَا.

ثُمَّ قَالَ مُقَابِلًا لِقِيلِهِمْ: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}

{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (٩٣) }

أَيْ: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ "شُعَيْبٌ" عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ مَا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنِّقْمَةِ وَالنَّكَالِ، وَقَالَ مُقَرِّعًا لَهُمْ وَمُوَبِّخًا: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أَيْ: قَدْ أديتُ إِلَيْكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ، فَلَا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم بِهِ، وَلِهَذَا (٥) قَالَ: {فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} ؟.

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩٥) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا اخْتَبَرَ بِهِ الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ، الَّذِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، يَعْنِي {بالْبَأْسَاءِ} مَا يُصِيبُهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَسْقَامٍ. {وَالضَّرَّاءِ} مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ فَقْرٍ وَحَاجَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} أَيْ: يَدْعُونَ وَيَخْشَعُونَ وَيَبْتَهِلُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كَشْفِ مَا نَزَلَ بِهِمْ.

وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: أَنَّهُ ابْتَلَاهُمْ بِالشِّدَّةِ لِيَتَضَرَّعُوا، فَمَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَلَبَ الْحَالَ إِلَى الرَّخَاءِ لِيَخْتَبِرَهُمْ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} أَيْ: حولَّنا الحال من شدة


(١) في ك: "إلا أنهم".
(٢) زيادة من ك، م. وفي هـ:"الآية".
(٣) في م: "أنهم".
(٤) في ك، م: "لهيب".
(٥) في د: "فلهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>