للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عباس قال: لما تواقف الناس أغمي على رسول الله ساعة ثم كشف عنه، فبشر الناس بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس، وإسرافيل في جند آخر ألف. وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، يدبر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم (١) اليوم من الناس. فلما أبصر عدوُّ الله الملائكة، نكص على عقبيه، وقال: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ) فتشبث به الحارث بن هشام، وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث، فسقط الحارث، وانطلق إبليس (٢) لا يرى حتى سقط في البحر، ورفع ثوبه وقال: يا رب، موعدك الذي وعدتني (٣)

وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه (٤) ذكرناه في السيرة.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت (٥) قريش المسير (٦) ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب، فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي -وكان من أشراف بني كنانة -فقال: أنا جار لكم أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعا.

قال محمد بن إسحاق: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك (٧) لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان، كان الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام -أو: عمير بن وهب -فقال: أين، أي سراق؟ (٨) ومثل عدو الله فذهب -قال: فأوردهم ثم أسلمهم -قال: ونظر عدو الله إلى جنود الله، قد أيد الله بهم رسوله (٩) والمؤمنين فانتكص (١٠) على عقبيه، وقال: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ) وصدق عدو الله، وقال: (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (١١) وهكذا روي عن السدي، والضحاك، والحسن البصري، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم، .

وقال قتادة: وذكر لنا أنه رأى جبريل، ، تنزل معه (١٢) الملائكة، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة فقال: (إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) وكذب عدو الله، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم، وتبرأ منهم عند ذلك.

قلت: يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ﴾ [الحشر: ١٦]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢].


(١) في م: "لكم".
(٢) في أ: "إبليس هاربا".
(٣) المغازي للواقدي (١/ ٧٠).
(٤) المعجم الكبير (٥/ ٤٢) من طريق عبد العزيز بن عمران عن رفاعة بن يحيى بن معاذ بن رفاعة عن رفاعة بن رافع، ، وقال الهيثمي في المجمع (٦/ ٨٢): "وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف".
(٥) في د، م، أ: "اجتمعت".
(٦) في د: "للسير".
(٧) في ك: "مالك المدلجي، وكان من أشراف ركانة".
(٨) في د، أ: "إلى أين يا سراقة"، وفي ك، م: "أين أين سراقة".
(٩) في أ: "رسله".
(١٠) في د، ك، م، أ: "فنكص".
(١١) في ك، م، أ: "إني أخاف عقاب الله" وهو خطأ.
(١٢) في د: "نزل مع".