للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ تَعَالَى ذَمًّا لِلْمُشْرِكِينَ وَحَثًّا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَالِهِمْ: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يَعْنِي: أَنَّهُمُ اعْتَاضُوا عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِ اللَّهِ بِمَا الْتَهَوْا بِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الْخَسِيسَةِ، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} أَيْ: مَنَعُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً} تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، وَكَذَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} إِلَى آخِرِهَا، تَقَدَّمَتْ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَعِبَادَتِهِ، لَا يُشْرِكُ (١) بِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، فَارَقَهَا وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبِّهِمْ، قَبْلَ هَرْج الْأَحَادِيثِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ". وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {فَإِنْ تَابُوا} يَقُولُ: فَإِنْ خَلَعُوا الْأَوْثَانَ وَعِبَادَتَهَا {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: آخِرُ الْحَدِيثِ عِنْدِي واللَّهُ أَعْلَمُ: "فَارَقَهَا وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ"، وَبَاقِيهِ عِنْدِي مِنْ كَلَامِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ (٢)

{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) }

يَقُولُ تَعَالَى: وَإِنْ نَكَثَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَيْمَانَهُمْ، أَيْ: عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ، {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} أَيْ: عَابُوهُ وَانْتَقَصُوهُ. وَمِنْ هَاهُنَا أُخِذَ قَتْلُ مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ ذَكَرَهُ بِتَنَقُّصٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} أَيْ: يَرْجِعُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ وَالضَّلَالِ.

وَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: أَئِمَّةُ الْكُفْرِ كَأَبِي جَهْلٍ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعَدَّدَ رِجَالًا.

وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: مَرَّ سَعْدٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَقَالَ الْخَارِجِيُّ: هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ. فَقَالَ سَعْدٌ: كَذَبْتَ، بَلْ أَنَا قَاتَلْتُ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.

وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا قُوتِلَ أهل هذه الآية بعد.


(١) في ت، ك: "لا شريك".
(٢) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٣٣١) من طريق أحمد بن مهران عن عبيد الله بن موسى بنحوه، ولم يفرق بين المرفوع والموقوف، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" وتعقبه الذهبي قلت: "صدر الحديث مرفوع وسائره مدرج فيما أرى".

<<  <  ج: ص:  >  >>