للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى عَزِيمَةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَبَيَانًا لِحِكْمَتِهِ فِيمَا شَرَعَ لَهُمْ مِنَ الْجِهَادِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إِهْلَاكِ الْأَعْدَاءِ بِأَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وعِكْرِمة، وَالسُّدِّيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} يَعْنِي: خُزَاعَةَ.

وَأَعَادَ (١) الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} عَلَيْهِمْ أَيْضًا.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ مؤذنٍ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَضِبَتْ أَخَذَ بِأَنْفِهَا، وَقَالَ: "يَا عُوَيْشُ، قَوْلِي: اللَّهُمَّ، رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ (٢) اغْفِرْ ذَنْبِي، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ".

سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الْحَاكِمِ، عَنِ الْبَاغَنْدِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ، عَنْهُ (٣)

{وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أَيْ: مِنْ عِبَادِهِ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} أَيْ: بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ، {حَكِيمٌ} فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ الْكَوْنِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، فَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَهُوَ الْعَادِلُ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا يَجُورُ أَبَدًا، وَلَا يُضِيعُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، بَلْ يُجَازِي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦) }

يَقُولُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ} أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ نَتْرُكَكُمْ مُهْمَلِينَ، لَا نَخْتَبِرُكُمْ بِأُمُورٍ يَظْهَرُ فِيهَا أَهْلُ الْعَزْمِ الصَّادِقِ مِنَ الْكَاذِبِ؟ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} أَيْ: بِطَانَةً وَدَخِيلَةً (٤) بَلْ هُمْ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى النُّصْحِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَاكْتَفَى بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي ...

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: { [الم] أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (٥) [الْعَنْكَبُوتِ:١-٣] وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آلِ عمران: ١٤٢]


(١) في ت، د، ك: "وأعادوا".
(٢) في ك: "محمدا".
(٣) تاريخ دمشق (١٩/٣٣٥) "المخطوط") ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق أبي العميس عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عن عائشة ومن طريق سلمة بن علي عن هشام بن عروة عن عائشة.
(٤) في ت: "دخلة".
(٥) زيادة من ت، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>