للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صحة ما جئتكم من الدين الحنيف، الذي أوحاه الله إلي، فها أنا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، ولكن أعبد الله وحده لا شريك له، وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم، ثم إليه مرجعكم؛ فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون الله (١) حقا، فأنا لا أعبدها (٢) فادعوها فلتضرني، فإنها لا تضر ولا تنفع، وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له، وأمرت أن أكون من المؤمنين.

وقوله: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي: أخلص العبادة لله وحده حنيفا، أي: منحرفا عن الشرك؛ ولهذا قال: (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهو معطوف على قوله: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)

وقوله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ) إلى آخرها، بيان لأن الخير والشر والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله تعالى وحده لا يشاركه (٣) في ذلك أحد، فهو الذي يستحق العبادة وحده، لا شريك له.

روى الحافظ ابن عساكر، في ترجمة صفوان بن سليم، من طريق عبد الله بن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى، عن صفوان بن سليم، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: "اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده واسألوه أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم" (٤)

ثم رواه من طريق الليث، عن عيسى بن موسى، عن صفوان، عن رجل من أشجع، عن أبي هريرة مرفوعا؛ بمثله سواء (٥)

وقوله: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي: لمن تاب إليه وتوكل عليه، ولو من أيّ ذنب كان، حتى من الشرك به، فإنه يتوب عليه.

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (١٠٩)

يقول تعالى آمرا لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه، أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند


(١) في أ: "من دون الله من شيء حقا".
(٢) في ت: "أعبد".
(٣) في ت، "لا يشركه".
(٤) تاريخ دمشق (٨/ ٣٢٨) "المخطوط") ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (١١٢١) من طريق عبد الله بن وهب به، ورواه ابن عبد البر في التمهيد (٥/ ٣٣٩) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (١١٢٢) من طريق عمرو بن الربيع بن طاق عن يحيى بن أيوب به نحوه ورمز له السيوطي بالضعف في الجامع.
(٥) تاريخ دمشق (٨/ ٣٢٨ "المخطوط") ورواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة برقم (٢٧) من طريق رويم بن يزيد عن الليث به مرفوعا، ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (١١٢٣) من طريق يحيى بن بكير عن الليث به مرفوعا. وقال البيهقي: "هذا هو المحفوظ دون الأول" والأول حديث أنس.