للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦].

وقوله: (لِيَبْلُوكُمْ) أي: ليختبركم (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) ولم يقل: أكثر عملا بل (أَحْسَنُ عَمَلا) ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله ﷿، على شريعة رسول الله . فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط.

وقوله: (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) يقول تعالى: ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم، مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض، [كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ] وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: ٦١]، (١) وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة، الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧]، وقال تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] وقولهم (٢): (إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي: يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك (٣) على وقوع البعث، وما يذكر ذلك (٤) إلا من سحرته، فهو يتبعك على ما تقول.

وقوله: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ) يقول تعالى: ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور، وأوعدناهم به إلى مدة مضروبة، ليقولن تكذيبا واستعجالا (مَا يَحْبِسُهُ) أي: يؤخر هذا العذاب عنا، فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك، فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد.

و"الأمة" تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة، فيراد بها: الأمد، كقوله في هذه الآية: (إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) وقوله في [سورة] (٥) يوسف: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥]، وتستعمل في الإمام المقتدى به، كقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠]، وتستعمل في الملة والدين، كقوله إخبارا عن المشركين أنهم قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣]، وتستعمل في الجماعة، كقوله: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: ٢٣]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٤٧].

والمراد من الأمة هاهنا: الذين يبعث فيهم الرسول (٦) مؤمنهم وكافرهم، كما [جاء] (٧) في


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "وقوله".
(٣) في ت: "ما يصدقك".
(٤) في ت: "وما تذكره من ذلك".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في أ: "الرسل".
(٧) زيادة من ت.