للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)

يقول تعالى مسليّا لرسوله الله ، عما كان يتعنت به المشركون، فيما كانوا يقولونه عن الرسول -كما أخبر تعالى عنهم -: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا﴾ [الفرقان: ٧، ٨]. فأمر الله تعالى رسوله، صلوات الله تعالى وسلامه عليه، وأرشده إلى ألا يضيق بذلك منهم صَدْرُه، ولا يهيدنه ذلك ولا يُثْنينَّه عن دعائهم إلى الله ﷿ آناء الليل وأطراف النهار، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٧ - ٩٩]، وقال هاهنا: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا) أي: لقولهم ذلك، فإنما أنت نذير، ولك أسوة بإخوانك من الرسل قبلك، فإنهم كُذبُوا وأوذُوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله ﷿.

﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)

ثم بين تعالى إعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله، ولا بعشر سور [من] (١) مثله، ولا بسورة من مثله؛ لأن كلام الرب لا يشبهه كلام المخلوقين، كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات (٢)، وذاته لا يشبهها شيء، تعالى وتقدس وتنزه، لا إله إلا هو ولا رب سواه.

ثم قال تعالى: (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي: فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم (٣) إليه، فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك، وأن هذا الكلام منزل من عند الله، متضمن (٤) علمه وأمره ونهيه، (وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٥).

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)

قال العوفي، عن ابن عباس، في هذه الآية: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا، يقول: من عمل صالحا التماس الدنيا، صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل، لا


(١) زيادة من ت.
(٢) في ت، أ: "المخلوقين".
(٣) في ت، أ: "ما دعوتهم".
(٤) في ت: "متضمنا".
(٥) في ت: "وأنه".