للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: "يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حُنَفَاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أحللت لهم" (١). وفي المسند والسنن: "كل مولود يولد على هذه الملة، حتى يُعرِب عنه لسانه" (٢) الحديث، فالمؤمن باق على هذه الفطرة. [وقوله: (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) أي] (٣): وجاءه شاهد من الله، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء، من الشرائع المطهرَة المُكَمَّلَة المعظَّمة المُخْتَتَمَةِ بشريعة محمد، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. ولهذا قال ابن عباس، ومجاهد، وعِكْرِمة، وأبو العالية، والضحاك، وإبراهيم النَّخَعي، والسُّدِّي، وغير واحد في قوله تعالى: (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) إنه جبريل .

وعن علي، والحسن، وقتادة: هو محمد .

وكلاهما قريب في المعنى؛ لأن كلا من جبريل ومحمد، صلوات الله عليهما، بلَّغ رسالة الله تعالى، فجبريل إلى محمد، ومحمد إلى الأمة (٤).

وقيل: هو عليّ. وهو ضعيف لا يثبت له قائل، والأول والثاني هو الحق؛ وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة، والتفاصيل تؤخذ من الشريعة، والفطرة تصدقها وتؤمن بها؛ ولهذا قال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) وهو القرآن، بلّغه جبريل إلى النبي [محمد] (٥) ، وبلغه النبي محمد إلى أمته.

ثم قال تعالى: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى) أي: ومن قبل [هذا] (٦) القرآن كتاب موسى، وهو التوراة، (إِمَامًا وَرَحْمَةً) أي: أنزل الله تعالى إلى تلك الأمة إماما لهم، وقدوة (٧) يقتدون بها، ورحمة من الله بهم. فمن آمن بها حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن؛ ولهذا قال تعالى: (أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ).

ثم قال تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أي: ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض مشركيهم: أهل (٨) الكتاب وغيرهم، من سائر طوائف بني آدم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم، ممن بلغه القرآن، كما قال تعالى: ﴿لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]. وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) وفي صحيح مسلم، من حديث شعبة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري، ، أن رسول الله قال: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار" (٩).


(١) صحيح مسلم برقم (٢٨٦٥).
(٢) رواه الإمام أحمد في المسند (٣/ ٣٥٣) من طريق أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن الحسن عن جابر به.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) في أ: "أمته".
(٥) زيادة من ت، أ.
(٦) زيادة من أ.
(٧) في ت: "وقد".
(٨) في ت: "وأهل".
(٩) كذا، والحديث في صحيح مسلم برقم (١٥٣) من حديث أبي هريرة، وإنما رواه بهذا السند الطبري في تفسيره (١٥/ ٢٨١) وأحمد في مسنده (٤/ ٣٩٦) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ٢٦١).