للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُقَالُ: كُرْز -قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَنَزَلْنَا تَحْتَ ظِلَالِ الشَّجَرِ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَانَ الرَّوَاحُ؟ فَقَالَ: "أَجَلْ". فَقَالَ: "يَا بِلَالُ" فَثَارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ (١) كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَائِرٍ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَأَنَا فِدَاؤُكَ (٢) فَقَالَ: "أَسْرِجْ لِي فَرَسِي". فَأَخْرَجَ سَرْجًا دَفَّتَاهُ مِنْ لِيفٍ، لَيْسَ فِيهِمَا أشرٌ وَلَا بَطَر.

قَالَ: فَأَسْرَجَ، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَصَافَفْنَاهُمْ عَشِيَّتَنَا وَلَيْلَتَنَا، فَتَشَامَّتِ الْخِيلَانِ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عِبَادَ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". قَالَ: ثُمَّ اقْتَحَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسِهِ (٣) فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَأَخْبَرَنِي الَّذِي كَانَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنِّي: أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، وَقَالَ: "شَاهَتِ الْوُجُوهُ". فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ: فَحَدَّثَنِي أَبْنَاؤُهُمْ، عَنْ آبَائِهِمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمُهُ تُرَابًا، وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ (٤) الْجَدِيدِ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ (٥)

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَخَرَجَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ، فَسَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، فَأَعَدُّوا وَتَهَيَّئُوا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَحْنَائِهِ، وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى انْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا انْحَطَّ النَّاسُ ثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمُ الْخَيْلُ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ، لَا يُقْبِل أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ (٦) هَلُمُّوا إليَّ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَلَا شَيْءَ، وَرَكِبَتِ الْإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا (٧) فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ الناس قَالَ: "يَا عَبَّاسُ، اصْرُخْ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ". فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَذْهَبُ لِيَعْطِفَ بِعِيرَهُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَقْذِفُ دِرْعَهُ فِي عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ، ثُمَّ يَؤُمَّ الصَّوْتَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مِائَةٌ، فَاسْتَعْرَضَ الناسُ فَاقْتَتَلُوا، وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ بِالْأَنْصَارِ، ثُمَّ جُعِلَتْ آخِرًا بِالْخَزْرَجِ (٨) وكانوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، وَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكَائِبِهِ (٩) فَنَظَرَ إِلَى مُجتَلَد الْقَوْمِ، فَقَالَ: "الْآنَ حَمِيَ الوَطيس": قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَاجَعَهُ النَّاسُ إِلَّا وَالْأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملقَون، فَقَتَلَ الله منهم من قتل،


(١) في ت: "شجرة".
(٢) في ك: "فداك".
(٣) في ت: "قرب".
(٤) في ت: "الطشت".
(٥) المسند (٥/٢٨٦) ودلائل النبوة (٥/١٤١) .
(٦) في ت: "يأيها الناس".
(٧) في ك: "بعض".
(٨) في ت: "بالخروج".
(٩) في ك، أ: "ركابه".

<<  <  ج: ص:  >  >>