للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤) }

أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ إِلَيْهِ مَرْجِعَ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَتْرُكُ مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى يُعِيدَهُ كَمَا بَدَأَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ كَمَا بَدَأَ الْخَلْقَ كَذَلِكَ يُعِيدُهُ، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرُّومِ: ٢٧] .

{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} أَيْ: بِالْعَدْلِ وَالْجَزَاءِ الْأَوْفَى، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} أَيْ: بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْوَاعِ الْعِقَابِ، مِنْ {سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الْوَاقِعَةِ: ٤٢، ٤٣] . {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص: ٥٧، ٥٨] . {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرَّحْمَنِ: ٤٣، ٤٤] .

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا خَلَقَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ الشُّعَاعَ الصَّادِرَ عَنْ جُرْمِ الشَّمْسِ ضِيَاءً وَشُعَاعَ الْقَمَرِ نُورًا، هَذَا فَنٌّ وَهَذَا فَنٌّ آخَرُ، فَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يَشْتَبِهَا، وَجَعَلَ سُلْطَانَ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَسُلْطَانَ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ، وَقَدَّرَ الْقَمَرَ مَنَازِلَ، فَأَوَّلُ مَا يَبْدُو صَغِيرًا، ثُمَّ يَتَزَايَدُ نُوره وَجِرْمُهُ، حَتَّى يَسْتَوْسِقَ وَيَكْمُلَ إِبْدَارُهُ، ثُمَّ يَشْرَعُ فِي النَّقْصِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ فِي تَمَامِ شَهْرٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٣٩، ٤٠] . وَقَالَ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الْأَنْعَامِ: ٩٦] .

وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَقَدَّرَهُ} أَيْ: الْقَمَرَ {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} فَبِالشَّمْسِ تُعْرَفُ الْأَيَّامُ، وَبِسَيْرِ الْقَمَرِ تُعْرَفُ الشُّهُورُ وَالْأَعْوَامُ.

{مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ} أَيْ: لَمْ يَخْلُقْهُ عَبَثًا بَلْ لَهُ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ، وَحُجَّةٌ بَالِغَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: ٢٧] . وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٥، ١١٦] .

وَقَوْلُهُ: {نُفَصِّلُ الآيَاتِ} أَيْ: نُبَيِّنُ الْحُجَجَ وَالْأَدِلَّةَ {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>