للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِخْبَارًا عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الْمُشْرِكِينَ (١) وَأَوْثَانَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} أَنْكَرُوا عِبَادَتَهُمْ، وَتَبَرَّءُوا مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { [كَلا] سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} الْآيَةَ. [مَرْيَمَ: ٨٢] . (٢) وَقَالَ: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [الْبَقَرَةِ: ١٦٦] ، وَقَالَ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الْأَحْقَافِ: ٥، ٦] .

وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِخْبَارًا عَنْ قَوْلِ الشُّرَكَاءِ فِيمَا رَاجَعُوا فِيهِ عَابِدِيهِمْ عِنْدَ ادِّعَائِهِمْ عِبَادَتَهُمْ: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أَيْ: مَا كُنَّا نَشْعُرُ بِهَا وَلَا نَعْلَمُ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَنَا مِنْ حَيْثُ لَا نَدْرِي بِكُمْ، وَاللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنَّا مَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا، وَلَا أَمَرْنَاكُمْ بِهَا، وَلَا رَضِينَا مِنْكُمْ بِذَلِكَ.

وَفِي هَذَا تَبْكِيتٌ عَظِيمٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، مِمَّنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبَصِّرُ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ وَلَا رَضِيَ بِهِ وَلَا أَرَادَهُ، بَلْ تَبْرَأُ مِنْهُمْ فِي وَقْتٍ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَرَكُوا (٣) عِبَادَةَ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْعَلِيمِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَقَدْ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، آمِرًا بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، نَاهِيًا عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النَّحْلِ: ٣٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٥] ، (٤) وَقَالَ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزُّخْرُفِ: ٤٥] .

وَالْمُشْرِكُونَ أَنْوَاعٌ وَأَقْسَامٌ كَثِيرُونَ، قَدْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وبَيّن أَحْوَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ، ورَد عَلَيْهِمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ أَتَمَّ رَدٍّ.

وَقَوْلُهُ: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} أَيْ: فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُخْتَبَرُ كُلُّ نَفْسٍ وَتَعْلَمُ مَا أَسْلَفَتْ مِنْ [عَمَلِهَا مِنْ] (٥) خَيْرٍ وَشَرٍّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطَّارِقِ: ٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [الْقِيَامَةِ: ١٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاءِ: ١٣، ١٤] .

وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ: {هُنَالِكَ تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} وفسَّرها بَعْضُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى تَتْبَعُ مَا قَدَّمَتْهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ: "تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تعبد، فيتبع من


(١) في ت، أ: "المشركون".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت: "يكون إليه وقد ترك".
(٤) في أ: "نوحي".
(٥) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>