للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي صحيح البخاري: أن رسول الله كان يقول: "اللهم، لك الحمد غير مَكْفِيّ ولا مودَع، ولا مستغنى عنه ربَّنا" (١).

وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا داود بن المُحبّر، حدثنا صالح المرْيّ عن جعفر بن زيد العَبْدِي، عن أنس، عن النبي أنه قال: "يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة (٢) دواوين، ديوان، فيه العمل الصالح، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم من الله تعالى عليه، فيقول الله لأصغر (٣) نعمه -أحسبَه. قال: في ديوان النعم: خذي ثمنك من عمله الصالح، فتستوعب عمله الصالح كله، ثم تَنَحّى وتقول: وعزتك ما استوفيت. وتبقى الذنوب والنعم (٤) فإذا أراد الله أن يرحم قال: يا عبدي، قد ضاعفتُ لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك -أحسبه قال: ووهبت لك نعمي" (٥) غريب، وسنده ضعيف.

وقد روي في الأثر: أن داود، ، قال: يارب، كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي؟ فقال الله تعالى: الآن شكرتني يا داود، أي: حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر النعم.

وقال الشافعي، : الحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه، إلا بنعمة (٦) تُوجِب على مُؤدى ماضي نعَمه بأدائها، نعمة حادثةَ توجب عليه شكره بها (٧).

وقال القائل في ذلك:

لو كل جَارِحَة مني لهَا لُغَةٌ … تُثْنيِ عَلَيكَ بما أولَيتَ مِنْ حَسنِ

لَكَانَ ما زَادَ شُكري إذ شَكَرت به … إليكَ أبلغَ في الإحسَان والمننِ

﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)

يذكر تعالى في هذا المقام محتجا على مشركي العرب، بأن البلد الحرام مكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه، آهلة تبرأ ممن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) وقد استجاب الله له، فقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧]، وقال تعالى:


(١) صحيح البخاري برقم (٥٤٥٨) من حديث أبي أمامة .
(٢) في أ: "ثلاث" وهو خطأ.
(٣) في ت، أ: "لأصغرهم".
(٤) في ت، أ: "والنعم والعمل الصالح فيستوعب عمله الصالح كله".
(٥) مسند البزار برقم (٣٤٤٤) "كشف الأستار" وفيه داود بن المحبر وصالح المرى وهما ضعفيان.
(٦) في هـ، ت، أ: "بنعمة حادثة" والمثبت من الرسالة.
(٧) الرسالة للشافعي (ص ٧، ٨).