للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي (١) بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٦، ٩٧]، وقال في هذه القصة: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) فعرفه كأنه دعا به بعد بنائها؛ ولهذا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ [إبراهيم: ٣٩]، ومعلوم أن إسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، فأما حين ذهب بإسماعيل وأمه وهو رضيع إلى مكان مكة، فإنه دعا أيضا فقال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ [البقرة: ١٢٦]، كما ذكرناه هنالك في سورة البقرة مستقصى مطولا.

وقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ) ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته.

ثم ذكر أنه افتتن بالأصنام خلائق من الناس وأنه برئ ممن عبدها، ورد أمرهم (٢) إلى الله، إن شاء عذبهم (٣) وإن شاء غفر لهم (٤) كما قال عيسى، : ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨]، وليس في هذا أكثر من الرد إلى مشيئة الله تعالى، لا تجويز (٥) وقوع ذلك.

قال عبد الله بن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث، أن بكر بن سَوَادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جُبَير (٦) عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله تلا قول إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقول (٧) عيسى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ورفع يديه، [ثم] (٨) قال: "اللهم أمتي، اللهم أمتي، اللهم أمتي"، وبكى فقال الله: [يا جبريل] (٩) اذهب إلى محمد -وربك أعلم وسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل، ، فسأله، فأخبره رسول الله ما قال، [قال] (١٠) فقال الله: اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك (١١).

﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)

وهذا يدل على أن هذا دعاء ثان بعد الدعاء الأول الذي دعا به عندما ولى عن هاجر وولدها، وذلك قبل بناء البيت، وهذا كان بعد بنائه، تأكيدًا ورغبة إلى الله، ﷿؛ ولهذا قال: (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)

وقوله: (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) قال ابن جرير: هو متعلق بقوله: "المحرم" أي: إنما جعلته محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده.


(١) في أ: "للتي" وهو خطأ.
(٢) في أ: "أمره".
(٣) في أ: "عذبه".
(٤) في أ: "له".
(٥) في ت: "لا تحرير".
(٦) في أ: "ابن جرير".
(٧) في ت، أ: "وقال".
(٨) زيادة من ت، أ.
(٩) زيادة من ت، أ.
(١٠) زيادة من ت.
(١١) رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ١٥١).