للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) }

قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} أَيْ: هِيَ مُحْكَمَةٌ فِي لَفْظِهَا، مُفَصَّلَةٌ فِي مَعْنَاهَا، فَهُوَ كَامِلٌ صُورَةً وَمَعْنًى. هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَوْلُهُ: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْحَكِيمِ فِي أَقْوَالِهِ، وَأَحْكَامِهِ، الْخَبِيرِ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ.

{أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ} أَيْ: نَزَّلَ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُحْكَمَ الْمُفَصِّلَ لِعِبَادَةِ (١) اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ:٢٥] ، قَالَ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النَّحْلِ:٣٦] .

وَقَوْلُهُ: {إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} (٢) أَيْ: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مِنَ الْعَذَابِ إِنْ خَالَفْتُمُوهُ، وَبَشِيرٌ بِالثَّوَابِ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الصَّفَا، فَدَعَا بُطُونَ قُرَيْشٍ الْأَقْرَبَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ، فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ (٣) يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تُصَبِّحُكُمْ (٤) ، أَلَسْتُمْ مُصَدِّقِيَ؟ " فَقَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ (٥) يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ" (٦) .

وَقَوْلُهُ: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أَيْ: وَآمُرُكُمْ (٧) بِالِاسْتِغْفَارِ مِنَ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ، وَأَنْ تَسْتَمِرُّوا (٨) عَلَى ذَلِكَ، {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، كَقَوْلِهِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧] ، (٩) (١٠)


(١) في ت، أ: "بعباده".
(٢) في ت، أ: "إني".
(٣) في ت: "فقالوا".
(٤) في ت: "تصحبكم".
(٥) في أ: "من".
(٦) رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٩٧١) من حديث ابن عباس، رضي الله عنه.
(٧) في ت، أ: "يأمركم".
(٨) في ت، أ: "يستقبلونه وأن يستمروا".
(٩) في ت، "فليحيينه".
(١٠) في ت: "بأحسن الذي كانوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>