للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)

يخبر تعالى عن قوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق: أنه لو فتح لهم بابًا من السماء، فجعلوا يصعدون فيه، لما صدّقوا بذلك، بل قالوا: (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)

قال مجاهد وابن كثير، والضحاك: سدت أبصارنا.

وقال قتادة، عن ابن عباس: أخذت أبصارنا.

وقال العوفي عن ابن عباس: شُبه علينا، وإنما سحرنا.

وقال الكلبي: عَميت أبصارنا.

وقال ابن زيد: (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) السكران (١) الذي لا يعقل.

﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠)

يذكر تعالى خلقه السماء في ارتفاعها وما زَيَّنَها به من الكواكب الثواقب، لمن تأملها، وكرر النظر (٢) فيها، يرى فيها من العجائب والآيات الباهرات، ما يحار نظره فيه. ولهذا قال مجاهد وقتادة: البروج هاهنا هي: الكواكب.

قلت: وهذا كقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١] ومنهم من قال: البروج هي: منازل الشمس والقمر.

وقال عطية العوفي: البروج هاهنا: هي قصور الحرس (٣)

وجعل الشُهب حرسًا لها من مَرَدة الشياطين، لئلا يسمعوا (٤) إلى الملأ الأعلى، فمن تمرد منهم [وتقدم] (٥) لاستراق السمع، جاءه شِهَابٌ مُبِينٌ فأتلفه، فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه، فيأخذها الآخر، ويأتي بها إلى وليه، كما جاء مصرحا به في الصحيح، كما قال البخاري في تفسير هذه الآية:

حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان (٦) عن عمرو، عن عكرمة، عن أبي هريرة، يبلُغُ به النبي ، قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صَفوان". قال علي، وقال غيره: صفوان يَنفُذهم ذلك، فإذا فُزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الذي قال: الحق، وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع،


(١) في أ: "السكر".
(٢) في ت: "نظره".
(٣) في ت: "الحرس فيها".
(٤) في أ: "لئلا يسّمّعوا".
(٥) زيادة من ت، أ.
(٦) في ت: "حدثنا ابن سفيان".