للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يذكر تمام نعمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم، يأوون إليها، ويستترون بها، وينتفعون بها سائر (١) وجوه الانتفاع، وجعل لهم أيضًا (مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا) أي: من الأدم، يستخفون حملها في أسفارهم، ليضربوها (٢) لهم في إقامتهم في السفر والحضر ولهذا قال: (تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا) أي: الغنم، (وَأَوْبَارِهَا) أي: الإبل، (وَأَشْعَارِهَا) أي: المعز -والضمير عائد على الأنعام- (أَثَاثًا) أي: تتخذون منه أثاثا، وهو المال. وقيل: المتاع. وقيل: الثياب والصحيح أعم من هذا كله، فإنه يتخذ من (٣) الأثاث البسط والثياب وغير ذلك، ويتخذ مالا وتجارة.

وقال ابن عباس: الأثاث: المتاع. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطية العوفي، وعطاء الخراساني، والضحاك، وقتادة.

وقوله: (إِلَى حِينٍ) أي: إلى أجل مسمى ووقت (٤) معلوم.

وقوله: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا) قال قتادة: يعني: الشجر.

(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا) أي: حصونا ومعاقل، كما (جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) وهي الثياب من القطن والكتان والصوف، (وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) كالدروع من الحديد المصفَّح والزَّرد وغير ذلك، (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أي: هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم، وما تحتاجون إليه، ليكون -عونًا لكم على طاعته وعبادته، (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) هكذا فسره الجمهور، وقرؤوه بكسر اللام من " تسلمون " أي: من الإسلام.

وقال قتادة في قوله: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ]) (٥) هذه السورة تسمى سورة النِّعَم.

وقال عبد الله بن المبارك وعباد بن العوام، عن حَنْظَلة السدوسي، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها "تَسلَمون" بفتح اللام، يعني من الجراح (٦). رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، عن عباد، وأخرجه ابن جرير من الوجهين، وردَّ هذه القراءة (٧).

وقال عطاء الخراساني: إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا) وما جعل [لكم] (٨) من السهل أعظم وأكثر (٩)، ولكنهم كانوا أصحاب جبال (١٠)؟ ألا ترى إلى قوله: (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)


(١) في ف: "سرائر".
(٢) في ت: "لتضربونها".
(٣) في ت، ف: "منه".
(٤) في ت، ف، أ: "أي إلى وقت".
(٥) زيادة من ت، ف، أ.
(٦) في ت، ف: "يعني من الجراح بفتح اللام".
(٧) تفسير الطبري (١٤/ ١٠٤).
(٨) زيادة من ف، أ.
(٩) في ت، ف: "واكبر".
(١٠) في ف: "جبل".