للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما جعل لكم من غير ذلك أعظم منه وأكثر (١) ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشَعَر، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ [النور: ٤٣]، لعجبهم من ذلك، وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر (٢)، ولكنهم كانوا لا يعرفونه؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) وما بقي من البرد أعظم وأكثر (٣) ولكنهم كانوا أصحاب حر.

وقوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي: بعد هذا البيان وهذا الامتنان، فلا عليك منهم، (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقد أديته إليهم.

(يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا) أي: يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك، وهو المتفضل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك، ويعبدون معه غيره، ويسندون النصر والرزق (٤) إلى غيره، (وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) -كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن مجاهد؛ أن أعرابيًا أتى رسول الله فسأله، فقرأ عليه رسول الله : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) قال الأعرابي: نعم. قال: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ) قال الأعرابي: نعم. ثم قرأ عليه، كل ذلك يقول الأعرابي: نعم، حتى بلغ: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) فولى الأعرابي، فأنزل الله: (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) (٥).

﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧)

يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة، وأنه يبعث من كل أمة شهيدا، وهو نبيها، يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى، (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي: في الاعتذار؛ لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه، كما قال: ﴿هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥، ٣٦]. ولهذا قال: (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي: أشركوا (الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) أي: لا يفتر عنهم ساعة واحدة، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي: [و] (٦) لا يؤخر عنهم، بل يأخذهم سريعا من الموقف بلا حساب، فإنه إذا جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف


(١) في ت، ف، أ: "أكبر".
(٢) في ف: "وأكبر".
(٣) في ف: "وأكبر".
(٤) في ف: "الرزق والنصر".
(٥) أورده السيوطي في الدر المنثور (٥/ ١٥٥) وعزاه لابن أبي حاتم وهو مرسل.
(٦) زيادة من ت.