للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعادهم.

(وَهُدًى) أي: للقلوب، (وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)

وقال الأوزاعي: (وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) أي: بالسنة.

ووجه اقتران قوله: (وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ) مع قوله: (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ) أن المراد -والله أعلم-: إن الذي فرض عليك تبليغ الكتاب الذي أنزله عليك، سائلك عن ذلك يوم القيامة، ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦]، ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢، ٩٣]، ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١٠٩]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] أي: إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه، ومعيدك يوم القيامة، وسائلك عن أداء ما فرض عليك. هذا أحد الأقوال، وهو مُتَّجه حسن.

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)

يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقال ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقال ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا، من (١) شرعية العدل والندب إلى الفضل.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله.

وقال سفيان بن عيينة: العدل في هذا الموضع: هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملا. والإحسان: أن تكون (٢) سريرته أحسن من علانيته. والفحشاء والمنكر: أن تكون (٣) علانيته أحسن من سريرته.

وقوله: (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) أي: يأمر بصلة الأرحام، كما قال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٦].

وقوله: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) فالفواحش: المحرمات. والمنكرات: ما ظهر منها من فاعلها؛ ولهذا قيل في الموضع الآخر: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣]. وأما البغي فهو: العدوان على الناس. وقد جاء في الحديث: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله


(١) في ف: "في".
(٢) في ف: "يكون".
(٣) في ف: "يكون".