للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الإسلام، (وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) البيعة، لا يحملنكم قلة محمد [وأصحابه] (١) وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي تبايعتم على الإسلام.

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا صخر بن جُوَيرية، عن نافع قال: لما خلع الناس يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر بنيه وأهله، ثم تشهد، ثم قال: أما بعد، فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله يقول: "إن الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة، فيقال (٢) هذه غَدْرة فلان وإن من أعظم الغَدْر -إلا أن يكون الإشراك بالله-أن يبايع رجل رجلا على بيعة الله ورسوله، ثم ينكث بيعته، فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون صَيْلم بيني وبينه" (٣).

المرفوع منه في الصحيحين (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حجاج، عن عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله يقول: "من شرط لأخيه شرطًا، لا يريد أن يفي له به، فهو كالمدلي جاره إلى غير مَنْعَة" (٥).

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها.

وقوله: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) قال عبد الله بن كثير، والسدّي: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه.

وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده.

وهذا القول أرجح وأظهر، وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا.

وقوله: (أَنْكَاثًا) يحتمل أن يكون اسم مصدر: نقضت غزلها أنكاثا، أي: أنقاضا. ويحتمل أن يكون بدلا عن خبر كان، أي: لا تكونوا أنكاثا، جمع نكث من ناكث؛ ولهذا قال بعده: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ) أي: خديعة ومكرًا، (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) أي: يحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم، فإذا أمكنكم الغدر بهم غَدَرتم. فنهى الله عن ذلك، لينبه بالأدنى على الأعلى؛ إذا كان قد نهى عن الغدر والحالة هذه، فلأن ينهى عنه مع التمكن والقدرة بطريق الأولى.

وقد قدمنا -ولله الحمد-في سورة "الأنفال" (٦) قصة معاوية لما كان بينه وبين ملك الروم أمَدٌ، فسار معاوية إليهم في آخر الأجل، حتى إذا انقضى وهو قريب من بلادهم، أغار عليهم وهم غارون لا يشعرون، فقال له عمرو بن عَبْسَة: الله أكبر يا معاوية، وفاء لا غدرًا، سمعت رسول الله


(١) زيادة من ت، ف، أ.
(٢) في ت، ف: "يقال".
(٣) المسند (٢/ ٤٨).
(٤) صحيح البخاري برقم (٣١٨٨) وصحيح مسلم برقم (١٧٣٥).
(٥) المسند (٥/ ٤٠٤).
(٦) عند تفسير الآية: ٥٨.