للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا مما يأمر الله تعالى به (١) وهو الوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة؛ ولهذا قال: (وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا)

ولا تعارض بين هذا وبين قوله: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٢٤] (٢) وبين قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩] أي: لا تتركوها بلا تكفير، وبين قوله، (٣) فيما ثبت عنه في الصحيحين (٤): "إني والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها". وفي رواية: "وكفرت عن يميني" لا تعارض بين هذا كله، ولا بين الآية المذكورة هاهنا وهي قوله: (وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا]) (٥)؛ لأن هذه الأيمان، المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق، لا الأيمان التي هي واردة على حَثّ أو منع؛ ولهذا قال مجاهد في قوله: (وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) يعني: الحِلْف، أي: حلْفَ الجاهلية؛ ويؤيده ما رواه الإمام أحمد:

حدثنا عبد الله بن محمد -هو ابن أبي شيبة-حدثنا ابن نُمَيْر وأبو أسامة، عن زكريا -هو ابن أبي زائدة-عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جُبَيْر بن مطعم قال: قال رسول الله : "لا حِلْف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة".

وكذا رواه مسلم، عن ابن أبي شيبة، به (٦).

ومعناه أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلْف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه.

وأما ما ورد في الصحيحين، عن عاصم الأحول، عن أنس، ، أنه قال: حالف رسول الله بين المهاجرين والأنصار في دارنا (٧) -فمعناه: أنه آخى بينهم، فكانوا يتوارثون به، حتى نسخ الله ذلك والله أعلم.

وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عمارة الأسدي، حدثنا عبيد الله (٨) بن موسى، أخبرنا أبن أبي ليلى، عن مَزِيدة (٩) في قوله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) قال: نزلت في بيعة النبي ، كان من أسلم بايع النبي على الإسلام، فقال: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) هذه البيعة التي بايعتم


(١) في ت، ف، أ: "به تعالى".
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) في ف، أ: "".
(٤) في ت: "الصحيح".
(٥) زيادة من ت، ف، أ.
(٦) المسند (٤/ ٨٣) وصحيح مسلم برقم (٢٥٣٠).
(٧) صحيح البخاري برقم (٢٢٩٤) وصحيح مسلم برقم (٢٥٢٩).
(٨) في ت: "عبد الله".
(٩) في ف: "بريدة".