للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) أي: أشركوا في عبادة الله تعالى. ويحتمل أن تكون الباء سببية، أي: صاروا بسبب طاعتهم للشيطان مشركين بالله تعالى.

وقال آخرون: معناه: أنه شركهم في الأموال والأولاد.

﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢)

يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم، وأنه لا يتصور منهم الإيمان وقد كتب عليهم الشقاوة، وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها قالوا للرسول: (إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) أي: كذاب وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.

وقال مجاهد: (بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) أي: رفعناها وأثبتنا غيرها.

وقال قتادة: هو كقوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦].

فقال تعالى مجيبا لهم: (قُلْ نزلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) أي: جبريل، (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) أي: بالصدق والعدل، (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) فيصدقوا بما أنزل أولا وثانيا وتخبت له قلوبهم، (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) أي: وجعله هاديا [مهديا] (١) وبشارة للمسلمين الذين آمنوا بالله ورسله.

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت: أن محمدًا إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم، غلام لبعض بطون قريش، وكان بياعا يبيع عند الصفا، فربما كان رسول الله يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية، أو أنه كان يعرف الشيء اليسير بقدر ما يَرُد جواب الخطاب فيما لا بد منه؛ فلهذا قال الله تعالى رادًا عليهم في افترائهم ذلك: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) يعني: القرآن أي: فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن، في فَصَاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة، التي هي أكمل من (٢) معاني كل كتاب نزل على نبي أرسل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟! لا يقول هذا من له أدنى مُسْكة (٣) من العقل.

قال محمد بن إسحاق بن يَسَار في السيرة: كان رسول الله -فيما بلغني-كثيرًا ما يجلس


(١) زيادة من ت.
(٢) في ت: "هي من أكمل".
(٣) في ت: "مسلة".