للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الله عنه، محصور بالمدينة، فكانت تسأل عنه: ما فعل؟ حتى رأت راكبين، فأرسلت إليهما تسألهما، فقالا قتل. فقالت حفصة: والذي نفسي بيده، إنها القرية التي قال الله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ) قال أبو شريح: وأخبرني عبيد الله بن المغيرة، عمن حدثه: أنه كان يقول: إنها المدينة (١).

﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١٧)

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلال الطيب، وبشكره على ذلك، فإنه المنعم المتفضل به ابتداء، الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له.

ثم ذكر ما حرمه عليهم مما فيه مضرة لهم في دينهم ودنياهم، من الميتة والدم، ولحم الخنزير.

(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) أي: ذبح على غير اسم الله، ومع هذا (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي: احتاج في غير بغي ولا عدوان، (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقد تقدم الكلام على مثل هذه الآية في سورة "البقرة" (٢) بما فيه كفاية عن إعادته، ولله الحمد [والمنة] (٣).

ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين، الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وضعوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم، من البَحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وغير ذلك مما كان شرعا لهم ابتدعوه في جاهليتهم، فقال: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس [له] (٤) فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله، أو حرم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهِّيه.

و"ما" في قوله: (لِمَا) مصدرية، أي: ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم.

ثم توعد على ذلك فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) أي: في الدنيا ولا في الآخرة. أما في الدنيا فمتاع (٥) قليل، وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم، كما قال: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤]


(١) تفسير الطبري (١٤/ ١٢٥).
(٢) عند تفسير الآية: ١٣٧.
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من ت، ف، أ.
(٥) في ت، ف: "متاع".