للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٦٩، ٧٠].

﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨)

لما ذكر تعالى أنه إنما حرم علينا الميتة (١) والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، وأنه (٢) أرخص فيه عند الضرورة -وفي ذلك توسعة لهذه الأمة، التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر -ذكر ما كان حَرَّمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها، وما كانوا فيه من الآصار والأغلال والحرج والتضييق، فقال: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) يعني: في "سورة الأنعام" في قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦] (٣)؛ ولهذا قال هاهنا: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ) أي: فيما ضيقنا عليهم، (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي: فاستحقوا ذلك، كما قال: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٦٠].

﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩)

ثم أخبر تعالى تكرمًا وامتنانًا في حق العصاة المؤمنين: أن من تاب منهم إليه تاب عليه، فقال: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل.

(ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) أي: أقلعوا عما كانوا فيه من المعاصي، وأقبلوا على فعل الطاعات، (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا) أي: تلك الفعلة والذلة (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)

يمدح [تبارك و] (٤) تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء، ويبرئه من المشركين، ومن اليهودية والنصرانية فقال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) فأما "الأمة"، فهو


(١) في ت: "المدينة".
(٢) في ف: "وإنما".
(٣) زيادة من ت، ف، أ، وفي هـ: "إلى قوله: وإنا لصادقون".
(٤) زيادة من ف، أ.