للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَفْسِهَا، {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} أَيْ قَدْ: وَصَلَ حُبُّهُ إِلَى شَغَافِ قَلْبِهَا. وَهُوَ غِلَافُهُ.

قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الشَّغَف: الْحُبُّ الْقَاتِلُ، والشَّغَف دُونَ ذَلِكَ، وَالشَّغَافُ: حِجَابُ الْقَلْبِ.

{إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أَيْ: فِي صَنِيعِهَا هَذَا مِنْ حُبِّهَا فَتَاهَا، وَمُرَاوَدَتِهَا إِيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ.

{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} قَالَ بَعْضُهُمْ: بِقَوْلِهِنَّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: بَلْ (١) بَلَغهُنَّ حُسْنُ يُوسُفَ، فَأَحْبَبْنَ أَنْ يَرَيْنَهُ، فَقُلْنَ ذَلِكَ لِيَتَوَصَّلْنَ إِلَى رُؤْيَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} أَيْ: دَعَتْهُنَّ إِلَى مَنْزِلِهَا لِتُضَيِّفَهُنَّ {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً}

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ: هُوَ الْمَجْلِسُ الْمُعَدُّ، فِيهِ مَفَارِشُ وَمَخَادُّ وَطَعَامٌ، فِيهِ مَا يُقْطَعُ بِالسَّكَاكِينِ مَنْ أُتْرُجٍّ (٢) وَنَحْوِهِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} وَكَانَ هَذَا مَكِيدَةً مِنْهَا، وَمُقَابَلَةً لَهُنَّ فِي احْتِيَالِهِنَّ عَلَى رُؤْيَتِهِ، {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ خَبَّأَتْهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، {فَلَمَّا} خَرَجَ وَ {رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أَيْ: أَعَظَمْنَ شَأْنَهُ، وَأَجْلَلْنَ قَدْرَهُ؛ وَجَعَلْنَ يُقَطِّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ دَهَشا بِرُؤْيَتِهِ، وَهُنَّ يَظْنُنَّ أَنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الْأُتْرُجَّ (٣) بِالسَّكَاكِينِ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُنَّ حَزَّزْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِهَا، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ: قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ حَتَّى أَلْقَيْنَهَا، فَاللَّهُ (٤) أَعْلَمُ.

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أنها قالت لهن بعدما أَكَلْنَ وَطَابَتْ أَنْفُسُهُنَّ، ثُمَّ وَضَعَتْ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ أُتْرُجًّا (٥) وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا: هَلْ لَكُنَّ فِي النَّظَرِ إِلَى يُوسُفَ؟ قُلْنَ: نَعَمْ. فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ تَأْمُرُهُ أَنِ اخْرُجْ إِلَيْهِنَّ (٦) فَلَمَّا رَأَيْنَهُ جَعَلْنَ يَقْطَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، ثُمَّ أَمَرَتْهُ أَنْ يَرْجِعَ فَرَجَعَ لِيَرَيْنَهُ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَهُنَّ يُحَزُّزْنَ فِي أَيْدِيهِنَّ، فَلَمَّا أَحْسَسْنَ بِالْأَلَمِ جَعَلْنَ يُوَلْوِلْنَ، فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ مِنْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلْتُنَّ هَكَذَا، فَكَيْفَ أُلَامُ أَنَا؟ فَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ، ثُمَّ قُلْنَ لَهَا: وَمَا نَرَى عَلَيْكِ مِنْ لَوْمٍ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْنَا، لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَرَيْنَ فِي الْبَشَرِ شَبَهَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٧) كَانَ قَدْ أُعْطِي شَطْرَ الْحُسْنِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِيُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، قَالَ: "فَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ" (٨)

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْطِيَ يوسف وأمه شطر


(١) في ت، أ: "قيل".
(٢) في ت، أ: "أترنج".
(٣) في: "الأترج".
(٤) في أ: "والله".
(٥) في أ: "أترنجا".
(٦) في أ: "عليهن".
(٧) في ت، أ: "وسلامه".
(٨) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٦٢) من حديث أنس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>