للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) أي: ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء: (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كما قال: في "الأنعام": ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٦١]، ثم قال تعالى منكرا على اليهود.

﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤)

لا شك أن الله تعالى شرَع في كل ملة يوما من الأسبوع، يجتمع الناس فيه للعبادة، فشرع تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة؛ لأنه اليوم السادس الذي أكمل الله فيه الخليقة، واجتمعت [الناس] (١) فيه وتمت النعمة على عباده. ويقال: إنه تعالى شرع ذلك لبني إسرائيل على لسان موسى، فعدلوا عنه واختاروا السبت؛ لأنه اليوم الذي لم يخلق فيه الرب شيئًا من المخلوقات الذي (٢) كمل خلقها يوم الجمعة، فألزمهم (٣) تعالى به في شريعة التوراة، ووصاهم أن يتمسكوا به وأن يحافظوا عليه، مع أمره إياهم بمتابعة محمد إذا بعثه. وأخذه (٤) مواثيقهم وعهودهم على ذلك؛ ولهذا قال تعالى: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ)

قال مجاهد: اتبعوه وتركوا الجمعة.

ثم إنهم لم يزالوا متمسكين به، حتى بعث الله عيسى ابن مريم، فيقال: إنه حوَّلهم إلى يوم الأحد. ويقال إنه: لم [يترك (٥) شريعة التوراة إلا ما نسخ من بعض أحكامها وإنه لم] (٦) يزل محافظًا على السبت حتى رفع، وإن النصارى بعده في زمن قسطنطين هم الذين تحولوا إلى يوم الأحد، مخالفة لليهود، وتحولوا إلى الصلاة شرقا عن الصخرة، والله (٧) أعلم.

وقد ثبت في الصحيحين، من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همام، عن أبي هريرة، ، أنه سمع رسول الله يقول: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد". لفظ البخاري (٨).

وعن أبي هريرة، وحذيفة، ، قالا قال رسول الله : "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم


(١) زيادة من ت، ف.
(٢) في أ: "التي".
(٣) في أ: "وألزمهم".
(٤) في أ: "وأخذ".
(٥) في أ: "يزل على".
(٦) زيادة من ت، ف، أ.
(٧) في ت: "فالله".
(٨) صحيح البخاري برقم (٦٦٢٤) وصحيح مسلم برقم (٨٥٥).