للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولهذا قال موسى لفرعون: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ) أي: حججًا وأدلة على صدق ما جئتك به (وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) أي: هالكًا. قاله مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس ملعونًا. وقال: أيضًا هو والضحاك: (مَثْبُورًا) أي: مغلوبًا. والهالك -كما قال مجاهد -يشمل (١) هذا كله، قال عبد الله بن الزبعري:

إذْ أجَارِي الشَّيطانَ في سَنن الغـ … يِّ وَمَنْ مَالَ مَيْلهُ مَثْبُور (٢)

[بمعنى هالك] (٣).

وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله: "علمت" وروي ذلك عن علي بن أبي طالب. ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب (٤) لفرعون، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: ١٣، ١٤].

فهذا كله مما يدل على (٥) أن المراد بالتسع الآيات إنما هي مما تقدّم ذكره (٦) من العصا، واليد، والسنين، ونقص من الثمرات، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم. التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه، وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله. وليس المراد منها كما ورد في هذا الحديث، فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه، وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟ وما جاء هذا الوهم إلا من قبل "عبد الله بن سلمة (٧) فإن له بعض ما يُنْكر. والله أعلم. ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات، فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات، فحصل وَهْم في ذلك. والله أعلم.

وقوله: (فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأرْضِ) أي: يخليهم منها ويزيلهم (٨) عنها (فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ) وفي هذا بشارة لمحمد بفتح مكة مع أن هذه السورة نزلت قبل الهجرة، وكذلك وقع؛ فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا﴾ [الإسراء: ٧٦، ٧٧]؛ ولهذا أورث الله رسوله (٩) مكة، فدخلها عُنْوَة على أشهر القولين، وقهر أهلها، ثم أطلقهم حلمًا وكرمًا، كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها، وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم


(١) في ت: "يشتمل".
(٢) البيت في تفسير الطبري (١٥/ ١١٧).
(٣) زيادة من ت.
(٤) في ف: "على الخطاب فتح التاء".
(٥) في أ: "عليه".
(٦) في ت، ف: "ذكرها".
(٧) في ف: "مسلم".
(٨) في ت: "ويرسلهم".
(٩) في ت: "ورسوله".