للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وثمارهم وكنوزهم، كما قال: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٩] وقال هاهنا (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) أي: جميعكم أنتم وعدوكم.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: (لَفِيفًا) أي: جميعًا.

﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا (١٠٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز، وهو القرآن المجيد، أنه بالحق نزل، أي: متضمنًا للحق، كما قال تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء: ١٦٦] أي: متضمنا علم الله الذي أراد أن يُطْلِعكم عليه، من أحكامه وأمره ونهيه.

وقوله: (وَبِالْحَقِّ نزلَ) أي: ووصل إليك -يا محمد -محفوظًا محروسًا، لم يُشَب بغيره، ولا زِيدَ فيه ولا نُقص منه، بل وصل إليك بالحق، فإنه نزل به شديد القُوى، [القَوِيّ] (١) الأمين المكين المطاع في الملأ الأعلى.

وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ) أي: يا محمد (إِلا مُبَشِّرًا) لمن أطاعك من المؤمنين (وَنَذِيرًا) لمن عصاك من الكافرين.

وقوله: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ) أما قراءة من قرأ بالتخفيف، فمعناه: فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مُفرقًا منجما على الوقائع إلى رسول الله في ثلاث وعشرين سنة. قاله عكرمة عن ابن عباس.

وعن ابن عباس أيضًا أنه قال (فَرَقْنَاهُ) بالتشديد، أي: أنزلناه آية آية، مبينًا مفسرًا؛ ولهذا قال: (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ) أي: لتبلغه الناس وتتلوه عليهم (عَلَى مُكْثٍ) أي: مَهَل (وَنزلْنَاهُ تَنزيلا) أي: شيئًا بعد شيء.

﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)﴾.

يقول تعالى لنبيه محمد : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم: (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) أي: سواء آمنتم به أم لا فهو حق في نفسه، أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان (٢) في كتبه المنزلة على رسله؛ ولهذا قال: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) أي: من صالح أهل الكتاب الذين يُمَسَّكون بكتابهم ويقيمونه، ولم يبدلوه ولا حرفوه (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ) هذا


(١) زيادة من ت، ف، أ.
(٢) في أ: "الزمان".