للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا (٥٥) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (٥٦)﴾.

يخبر تعالى عن تمرد (١) الكفرة في قديم الزمان وحديثه، وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الآيات [والآثار] (٢) والدلالات الواضحات، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عيانًا، كما قال أولئك لنبيهم: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٧]، وآخرون قالوا: ﴿ائْتِنَا (٣) بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٩]، وقالت قريش: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]، ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الحجر: ٦، ٧] إلى غير ذلك [من الآيات الدالة على ذلك] (٤).

ثم قال: (إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ) من غشيانهم بالعذاب وأخذهم عن آخرهم، (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا) أي: يرونه عيانًا مواجهة [ومقابلة] (٥)، ثم قال: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا) أي: قبل العذاب مبشرين (٦) من صدقهم وآمن بهم، ومنذرين (٧) مَنْ كذبهم وخالفهم.

ثم أخبر عن الكفار بأنهم يجادلون بالباطل (لِيُدْحِضُوا بِهِ) أي: ليضعفوا به (الْحَقَّ) الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم. (وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا) أي: اتخذوا الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث (٨) بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب (هُزُوًا) أي: سخروا منهم في ذلك، وهو أشد التكذيب.

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (٥٩)﴾.

يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم (٩) ممن ذكر بآيات الله (١٠) فأعرض عنها، أي: تناساها وأعرض


(١) في ت: "ثمود".
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) زيادة من ف.
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) زيادة من ف، أ.
(٦) في ت، ف، أ: "مبشرون".
(٧) في ت، ف، أ: "ومنذرون".
(٨) في ت، أ: "أبعث".
(٩) في أ: "وأي عبادى أظلم".
(١٠) في ف: "ربه".