للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (٩٢) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (٩٣) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (٩٦)

يقول تعالى مخبرًا عن ذي القرنين: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا) أي: ثم سلك طريقًا من مشارق الأرض. (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) وهما جبلان متناوحان بينهما ثُغْرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويهلكون الحرث والنسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم، ، كما ثبت في الصحيحين: "إن الله تعالى يقول: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: ابعث بَعْثَ النار. فيقول: وما بَعْثُ النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة؟ فحينئذ يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، فيقال: إن فيكم أمّتين، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج" (١).

وقد حكى النووي (٢)، ، في شرح "مسلم" عن بعض الناس: أن يأجوج ومأجوج خلقوا من مني خرج من آدم فاختلط بالتراب، فخلقوا من ذلك (٣) فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم، وليسوا من حواء. وهذا قول غريب جدًا، [ثم] (٤) لا دليل عليه لا من عقل ولا [من] (٥) نقل، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب، لما عندهم من الأحاديث (٦) المفتعلة، والله أعلم.

وفي مسند (٧) الإمام أحمد، عن سَمُرَة؛ أن رسول الله قال: "وَلَدُ نوح ثلاثة: سام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك" (٨). قال بعض العلماء: هؤلاء من نسل يافث أبي الترك، قال: [إنما (٩) سموا هؤلاء تركًا؛ لأنهم تركوا من وراء السد من (١٠) هذه الجهة، وإلا فهم أقرباء أولئك، ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجراءة (١١). وقد ذكر ابن جرير هاهنا عن وهب بن منبه أثرًا طويلا عجيبًا في سير ذي القرنين، وبنائه السد، وكيفية ما جرى له، وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم، [وطولهم] (١٢) وقصر بعضهم، وآذانهم (١٣). وروى ابن أبي حاتم أحاديث غريبة في ذلك لا تصح (١٤) أسانيدها، والله أعلم.

وقوله: (وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا) [أي] (١٥): لاستعجام كلامهم وبعدهم


(١) صحيح البخاري برقم (٦٥٣٠) وصحيح مسلم برقم (٢٢٢) من حديث أبي سعيد، .
(٢) في أ: "النواوي".
(٣) شرح النووي (٣/ ٩٧).
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) زيادة من ت، ف.
(٦) في ت: "من الأكاذيب".
(٧) في ف، أ: "المسند".
(٨) المسند (٥/ ٩).
(٩) في أ: "وإنما".
(١٠) في أ: "فمن".
(١١) في أ: "وجرأة".
(١٢) زيادة من ف، أ.
(١٣) تفسير الطبري (١٦/ ١٤).
(١٤) في ف، أ: "لا يصح".
(١٥) زيادة من ف، أ.