للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن الناس.

(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا) قال ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس: أجرًا عظيمًا، يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالا يعطونه إياه، حتى يجعل بينهم وبينهم سدًا. فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: (مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين (١) خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان : ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النمل: ٣٦] وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني (بِقُوَّةٍ) أي: بعملكم وآلات البناء، (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) والزبر: جمع زُبْرَة، وهي القطعة منه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وهي كاللبنة (٢)، يقال: كل لبنة [زنة] (٣) قنطار بالدمشقي، أو تزيد عليه.

(حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) أي: وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولا وعرضًا. واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال. (قَالَ انْفُخُوا) أي: أجج (٤) عليه النار حتى صار كله نارًا، (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسُّدي: هو النحاس. وزاد بعضهم: المذاب. ويستشهد بقوله تعالى: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: ١٢] ولهذا يشبه (٥) بالبرد المحبر.

قال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا قال: يا رسول الله، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: "انعته لي" قال: كالبرد المحبر، طريقة سوداء. وطريقة حمراء. قال: "قد رأيته". هذا حديث مرسل. (٦)

وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض أمرائه، ووجه (٧) معه جيشًا سرية، لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا. فتوصلوا من بلاد إلى بلاد، ومن مُلْك إلى مُلْك، حتى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس، وذكروا أنهم رأوا فيه بابًا عظيمًا، وعليه (٨) أقفال عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك. وأن عنده حرسًا (٩) من الملوك المتاخمة له، وأنه منيف عال (١٠)، شاهق، لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال. ثم رجعوا إلى بلادهم، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين،


(١) في أ: "والتمكن".
(٢) في أ: "اللبنة".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف: "أججوا".
(٥) في أ: "شبه".
(٦) وقد روي موصولا من طرق: فرواه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف (٢/ ٣١٢) من طريق أبي الجماهر -سعيد بن بشير- عن قتادة، عن رجل، عن أبي بكرة الثقفي: أن رجلا أتى النبي فقال: إني قد رأيته، فذكر نحوه. ورواه البزار في مسنده كما في تخريج الكشاف (٢/ ٣١٣) من طريق عبد الملك بن أبي نعامة عن يوسف بن أبي مريم، عن أبي بكرة بنحوه مطولا. ورواه ابن مردويه أيضا من طريق سفيان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجل من أهل المدينة أنه قال للنبي ، فذكر نحوه.
(٧) في ف، أ: "وجهز".
(٨) في ت: "وعلى".
(٩) في ف، أ: "سرحا".
(١٠) في ت، ف، أ: "عال منيف".