للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال آخرون: المراد بالسري: عيسى، ، وبه قال الحسن، والربيع بن أنس، ومحمد بن عَبَّاد بن جعفر. وهو إحدى الروايتين عن قتادة، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والقول الأول أظهر؛ ولهذا قال بعده: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) أي: وخذي إليك بجذع النخلة. قيل: كانت يابسة، قاله ابن عباس. وقيل: مثمرة. قال مجاهد: كانت عجوة. وقال الثوري، عن أبي داود (١) نُفَيْع الأعمى: كانت صَرَفَانة (٢)

والظاهر أنها كانت شجرة، ولكن لم تكن في إبان ثمرها، قاله وهب بن منبه؛ ولهذا امتن عليها بذلك، أن جعل عندها طعامًا وشرابًا، فقال: (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) أي: طيبي نفسًا؛ ولهذا قال عمرو بن ميمون: ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية الكريمة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا شَيْبَان، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي (٣) حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عُروة بن رُوَيْم، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله : "أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم ، وليس من الشجر شيء (٤) يُلَقَّح غيرها". وقال رسول الله : "أطعموا نساءكم الولدَ الرطَبَ، فإن لم يكن رطب فتمر، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران".

هذا حديث منكر جدًّا، ورواه أبو يعلى، عن شيبان، به (٥)

وقرأ بعضهم قوله: "تساقط" بتشديد السين، وآخرون بتخفيفها، وقرأ أبو نَهِيك: (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) وروى أبو إسحاق عن البراء: أنه قرأها: "تساقط" (٦) أي: الجذع. والكل متقارب.

وقوله: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا) أي: مهما رأيت من أحد، (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) المراد بهذا القول: الإشارة إليه بذلك. لا أن (٧) المراد به القول اللفظي؛ لئلا ينافي: (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).

قال أنس بن مالك في قوله: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا) أي: صمتًا (٨) وكذا قال ابن عباس، والضحاك. وفي رواية عن أنس: "صومًا وصمتًا"، وكذا قال قتادة وغيرهما.

والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام، نص على ذلك السدي،


(١) في ت: "عن أبي الأسود".
(٢) في ف، أ: "صوفانة".
(٣) في ت: "التيمي".
(٤) في ف: "وليس شيء من الشجر".
(٥) مسند أبي يعلى (١/ ٣٥٣) ورواه أبو نعيم في الحلية (٦/ ١٢٣) وابن عدي في الكامل (٦/ ٤٣١) من طريق مسرور بن سعد التميمي به، وقد ذكر له ابن عدي ثلاث علل: ١ - تفرد به مسرور عن الأوزاعي فهو منكر. ٢ - أنه منقطع بين عروة بن رويم وعلي بن أبي طالب. ٣ - أن مسور بن سعيد غير معروف. قلت: وضعفه ابن حبان والعقيلي.
(٦) في أ: "يساقط".
(٧) في ت: "لأن".
(٨) في أ: "صوتا".