للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد.

وقال أبو إسحاق، عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف ألا يكلم الناس اليوم. فقال عبد الله بن مسعود: كلِّم الناس وسلم عليهم، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدًا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج. يعني بذلك مريم، ؛ ليكون عذرًا لها إذا سئلت. ورواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، رحمهما الله.

وقال عبد الرحمن بن زيد: لما قال عيسى لمريم: ﴿أَلا تَحْزَنِي﴾ قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي؟! لا ذاتُ زوج ولا مملوكة، أي شيء عذري عند الناس؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا، قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) قال: هذا كله من كلام عيسى لأمه. وكذا قال وهب.

﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك، وألا تكلم أحدًا من البشر فإنها (١) ستكفى أمرها ويقام بحجتها (٢) فسلمت لأمر الله، ﷿، واستسلمت لقضائه، وأخذت ولدها (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ) فلما رأوها كذلك، أعظموا أمرها واستنكروه جدًّا، وقالوا: (يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) أي: أمرًا عظيمًا. قاله مجاهد، وقتادة والسدي، وغير واحد.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا سَيَّار (٣) حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبو عمران الجَوْني، عن نوف البِكَاليّ قال: وخرج قومها في طلبها، وكانت من أهل بيت نبوة وشرف. فلم يحسوا (٤) منها شيئًا، فرأوا (٥) راعي بقر فقالوا: رأيت فتاة كذا وكذا نَعْتُها؟ قال: لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط. قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيتها (٦) سُجَّدا نحو هذا الوادي. قال عبد الله بن أبي زياد: وأحفظ عن سيار أنه قال: رأيت نورًا ساطعًا. فتوجهوا حيث قال لهم، فاستقبلتهم مريم، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها، فجاءوا حتى قاموا عليها، (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) أمرًا عظيمًا. (يَا أُخْتَ هَارُونَ) أي: يا شبيهة هارون في العبادة (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) أي: أنت من بيت طيب طاهر، معروف بالصلاح


(١) في ف، أ: "فإنه".
(٢) في ف: "وتقام حجتها".
(٣) في ت: "سفيان"، وفي أ: "شيبان".
(٤) في ت: "يحسبوا".
(٥) في أ: "فلقوا".
(٦) في ف، أ: "رأيتها الليلة".