للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والعبادة والزهادة (١)، فكيف صدر هذا منك؟

قال علي بن أبي طلحة (٢)، والسدي: قيل لها: (يَا أُخْتَ هَارُونَ) أي: أخي موسى، وكانت من نسله (٣) كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللمضري: يا أخا مضر.

وقيل: نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون، فكانت تقاس (٤) به في العبادة، والزهادة.

وحكى ابن جرير عن بعضهم: أنهم شبهوها برجل فاجر كان فيهم. يقال له: هارون. ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.

وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم.

حدثنا علي بن الحسين الهِسِنْجَاني (٥) حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا المفضل بن فَضَالة، حدثنا أبو صخر، عن القُرَظي في قول الله ﷿: (يَا أُخْتَ هَارُونَ) قال: هي أخت هارون لأبيه وأمه، وهي أخت موسى أخي هارون التي قَصَّت أثر موسى، ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١].

وهذا القول خطأ محض، فإن الله تعالى قد ذكر في كتابه أنه قفَّى بعيسى بعد الرسل، فدل على أنه آخر الأنبياء بعثًا وليس بعده إلا محمد صلوات الله وسلامه عليه (٦)؛ ولهذا ثبت في الصحيح عند البخاري، عن أبي هريرة، ، عن النبي (٧) أنه قال: "أنا أولى الناس بابن مريم؛ إلا أنه (٨) ليس بيني وبينه نبي" ولو كان الأمر كما زعم محمد بن كعب القرظي، لم يكن متأخرًا عن الرسل سوى محمد. ولكان قبل سليمان و (٩) داود؛ فإن الله قد ذكر أن داود بعد موسى، في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] فذكر القصة إلى أن قال: ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ الآية [البقرة: ٢٥١]، والذي جرأ القرظي على هذه المقالة ما في التوراة بعد خروج موسى وبني إسرائيل من البحر، وإغراق فرعون وقومه، قال: وكانت مريم بنت عمران أخت موسى وهارون النبيين، تضرب بالدف هي والنساء معها يسبحن الله ويشكرنه على ما أنعم به على بني إسرائيل، فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى. وهي (١٠) هفوة وغلطة شديدة، بل هي باسم هذه، وقد كانوا يسمون بأسماء (١١) أنبيائهم وصالحيهم، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا عبد الله بن إدريس، سمعت أبي يذكره (١٢) عن سِمَاك، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله إلى نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرءون: (يَا أُخْتَ هَارُونَ)


(١) في ت: "والزهاد".
(٢) في أ: "طالب".
(٣) في ت: "قبيلته".
(٤) في ت، ف: "تقاسي".
(٥) في: "الححستاني".
(٦) في ف: عليه وسلامه".
(٧) في ف، أ: "عن رسول الله".
(٨) في أ: "إن أولى الناس بابن مريم لأنا إن".
(٩) في أ: "بن".
(١٠) في ف، أ: "وهذه".
(١١) في ف، أ: "باسم".
(١٢) في أ: "يذكر".