{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١١١) }
هَؤُلَاءِ صِنْفٌ آخَرُ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، مُهَانِينَ فِي قَوْمِهِمْ قَدْ وَاتُوهُمْ عَلَى الْفِتْنَةِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَمْكَنَهُمُ الْخَلَاصُ بِالْهِجْرَةِ، فَتَرَكُوا بِلَادَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ وَغُفْرَانِهِ، وَانْتَظَمُوا فِي سِلْكِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَاهَدُوا مَعَهُمُ الْكَافِرِينَ، وَصَبَرُوا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ {مِنْ بَعْدِهَا} أَيْ: تِلْكَ الْفِعْلَةِ، وَهِيَ الْإِجَابَةُ إِلَى الْفِتْنَةِ لَغَفُورٌ لَهُمْ، رَحِيمٌ بِهِمْ يَوْمَ مَعَادِهِمْ.
{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ} أَيْ: تُحَاجُّ {عَنْ نَفْسِهَا} لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاجُّ عَنْهَا لَا أَبٌ وَلَا ابْنٌ وَلَا أَخٌ وَلَا زَوْجَةٌ {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} أَيْ: مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} أَيْ: لَا يُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ الْخَيْرِ وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَوَابِ الشَّرِّ (١) وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣) }
هَذَا مَثَلٌ أُرِيدَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ آمِنَةً مُطَمْئِنَةً مُسْتَقِرَّةً يُتخطَّف النَّاسُ مِنْ حَوْلِهَا، وَمَنْ دَخَلَهَا آمِنٌ لَا يَخَافُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: ٥٧]
(١) في ت: "المسيء".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute