للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك على وجه التقرير، أي: أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها، فسترى ما نصنع بها الآن، (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) استفهام تقرير.

(قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا) أي: أعتمد عليها في حال المشي (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) أي: أهز بها الشجرة ليسقط ورقها، لترعاه غنمي.

قال عبد الرحمن بن القاسم: عن الإمام مالك: والهش: أن يضع الرجل المحْجَن في الغصن، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثَمَره، ولا يكسر العود، فهذا الهش، ولا يخبط. وكذا قال ميمون بن مهران أيضًا.

وقوله: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) أي: مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك. وقد تكلف (١) بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت، فقيل: كانت تضيء له بالليل، وتحرس له الغنم إذا نام، ويغرسها فتصير شجرة تظله، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة.

والظاهر أنها لم تكن كذلك، ولو كانت كذلك لما استنكر موسى صيرورتها ثعبانًا، فما كان يفر منها هاربًا، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية (٢) وكذا قول بعضهم: إنها كانت لآدم، . وقول الآخر: إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة. وروي عن ابن عباس أنه قال: كان اسمها ماشا. والله أعلم بالصواب.

وقوله تعالى: ([قَالَ] (٣) أَلْقِهَا يَا مُوسَى) أي: هذه العصا التي في يدك يا موسى، ألقها (فَأَلْقَاهَا (٤) فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) أي: صارت في الحال حَيَّة عظيمة، ثعبانًا طويلا يتحرك حركة سريعة، فإذا هي تهتز كأنها جان، وهو (٥) أسرع الحيات حركة، ولكنه صغير، فهذه في غاية الكبر، وفي غاية سرعة الحركة، (تَسْعَى) أي: تمشي وتضطرب.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عَبْدَة، حدثنا حفص بن جُمَيْع، حدثنا سِمَاك، عن عكرمة، عن [ابن عباس] (٦) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) ولم تكن قبل ذلك حية، فمرت بشجرة فأكلتها، ومرت بصخرة فابتلعتها، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها، فولى مدبرًا، فنودي أن: يا موسى، خذها. فلم يأخذها، ثم نودي الثانية أن: خذها ولا تخف. فقيل له في الثالثة: إنك من الآمنين. فأخذها.

وقال وهب بن مُنَبّه في قوله: (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) قال: فألقاها على وجه الأرض، ثم حانت نظرة فإذا أعظم (٧) ثعبان نظر إليه الناظرون، فَدَبّ يلتمس كأنه يبتغي شيئًا يريد أخْذَه، يمر بالصخرة مثل الخَلِفَة من الإبل فيلتقمها، ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها، عيناه توقدان نارا، وقد عاد المحْجَن منها عُرفًا. قيل: شعر مثل النيازك، وعاد الشعبتان منها مثل القليب الواسع، فيه أضراس وأنياب، لها صريف، فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرًا ولم يُعَقِّب،


(١) في أ: "تكلم".
(٢) في أ: "الإسرائيليات".
(٣) زيادة من ف
(٤) في ف: "فألقيها"
(٥) في ف: "وهي".
(٦) زيادة من ف.
(٧) في ف: "بأعظم".